التي لا تقبل الجدل؛ وكنيسةً تمزقها الفضائح، منقسمة على نفسها بسبب منازعات أريوس وأتباعه، وبسبب تبادل اللعنات بين الشرق والغرب، وتكفير كل منهما الآخر.
وفي عام ٣٥١ جعل جالوس قيصراً أي ولياً للعهد- وعهد إليه حكم أنطاكية؛ وأحسن يوليان وقتاً ما بأنه آمن من ريبة الإمبراطورية فأخذ يتنقل من نيقوميديا إلى برجموم ثم إلى إفسوس، يدرس فيها الفلسفة على إدسيوس Edssius، ومكسموس، وكريسنثيوس Chrysanthius وقد أتم هؤلاء تحويله سراً إلى الدين الوثني. وفي عام ٣٥٤ استدعى قسطنطين جالوس ويوليان إلى ميلان حيث كان يعقد محكمة للنظر في أمرهما. ذلك أن جالوس تعدى حدود السلطة المخولة له، وحكم الولايات الأسيوية حكماً بلغ من استبداده وقسوته أن ارتاع له قسطنطين نفسه. وحوكم الرجل أمام الإمبراطور، ووجهت إليه عدة تهم، وأدين، وصدر عليه الحكم بالإعدام، ونفذ على الفور. وأما يوليان فقد ظل تحت الحراسة في إيطاليا عدة أشهر، حتى أفلح أخيراً في أن يقنع الإمبراطور المرتاب أن السياسة لم تكن له على بال في يوم من الأيام، وأن اهتمامه كله موجه إلى الفلسفة. واطمأن قسطنطيوس إذ عرف أن غريمه ليس إلا رجلاً فيلسوفاً، فنفاه إلى أثينة (٣٥٥). وإذ كان يوليان قبل هذا النفي يوقع الإعدام، فإنه لم يجد صعوبة في الرضا بالنفي إلى بلد هو منبع العلم، والدين، والتفكير الوثني.
وقضى في تلك المدينة ستة أشهر، كانت من أسعد أيام حياته، يدْرس الفلسفة في الغياض التي استمعت إلى صوت أفلاطون في الزمن القديم، وعقد فيها أواصر الصداقة مع ثامسطيوس Themistius وغيره من الفلاسفة المخلدين والمنسيين. الذين أعجبوا بشغفه بالعلم، وكسب قلوب أهل المدينة برقة شمائله، وتواضعه، وجميل مسلكه. وكان يُشَبِّه هؤلاء الوثنيين المثقفين المهذبين الذين ورثوا ثقافة قرن عشرة بعلماء الدين الوقورين الذين كانوا يحيطون به في نقوميديا