إليها أو الإغارة عليها قضاء محتوماً لا مفر لها منه في ذلك الوقت، كما أنهما الآن قضاء محتوم على أمريكا الشمالية.
ولعل من واجبنا أن نعدل بعض التعديل تلك الرواية التي تصف تلك القبائل الألمانية بأنها قبائل متبربرة. نعم إن اليونان والرومان حين أطلقوا على أولئك الأقوام لفظ برابرة Barbari لم يكونوا يقصدون بذلك الثناء عليهم، وأكبر الظن أن هذا اللفظ يقابل لفظ فرفارا Varavar في اللغة السنسكريتية، ومعناه الفظ الجلف، غير المثقف (١)؛ وهو شديد الصلة أيضاً بلفظ بربر Berber؛ ولكن اتصال الألمان مدى خمسة قرون بالحضارة الرومانية عن طريق التجارة والحرب كان لا بد أن يترك فيهم أثراً قوياً؛ وقبل أن يحل القرن الرابع بزمن طويل كانوا قد تعلموا الكتابة وأقاموا لهم حكومة ذات قوانين ثابتة. وكانت مبادئهم الأخلاقية من الناحية الجنسية أرقى منها عند الرومان واليونان (١) إذا استثنينا منهم قبائل الفرنجة المروفنجيين؛ وكثيراً ما كانوا يفوقون الرومان في الشجاعة، وكرم الضيافة، والأمانة، وإن كانت تعوزهم رقة الحاشية ودماثة الخلق، وهما الحلتان اللتان يتصف بهما المثقفون. (لسنا ننكر أنهم كانوا قساة القلوب، ولكنهم لم يكونوا أشد قسوة من الرومان؛ وأكبر الظن أنهم قد روعهم أن يعرفوا أن الشريعة الرومانية كانت تجيز تعذيب الأحرار لتنتزع منهم الشهادات أو الاعترافات (٣). وكانت نزعتهم فردية إلى حد الفوضى، على حين أن الرومان كانوا في الوقت الذي نتحدث عنه رُوِّضوا على حسن المعاشرة
(١) وعمدتنا في هذا أيضاً هو تاسيتوس Tacitus صاحب النزعة الأخلاقية (في كتابه جرمانيا ص ١٨ - ١٩)، ولكنا نحيل القارئ أيضاً إلى رسالة للأسقف بنيفاس Boniface (حوالي ٧٥٦) يقول فيها: "وكان من عادة الأهلين في سكسونيا القديمة: إذا ارتكبت جريمة الزنا عذراء في بيت أبيها أو امرأة متزوجة تحت حماية زوجها، أن يحرقوها حية، أو يخنقوها بيديها، ويشنقوا من زنى بها فوق قبرها؛ أو أنهم كانوا يشقون أثوابها حتى وسطها ويسلطون عليها نساء شريفات جاوزن سن الشباب فيضربنها بالسياط ويطعنها بالسكاكين حتى يقضين عليها" (٢). وتلك طريقة شنيعة في التعذيب.