الصالحة للزراعة بوراً لا تجد من يفلحها، فنشأ من ذلك فراغ اقتصادي اجتمع إلى ما بقي في المدن من ثروة فأدى إلى اجتذاب البرابرة الذين كانوا في أشد الحاجة إلى تلك الأرض. ووجد كثيرون من أصحاب الأراضي الزراعية أنهم عاجزون عن أداء الضرائب أو الدفاع عن مساكنهم ضد الغزاة أو اللصوص، فتخلوا عن أملاكهم لمن هم أكبر منهم من الملاك أو أعظم قوة، وعملوا عندهم زراعاً (Coloni) ، وأخذوا على أنفسهم يقدموا لسادتهم قدراً معيناً من غلة الأرض ومن العمل والوقت، وعلى أن يضمن لك أولئك السادة ما يكفيهم من العيش، ويحموهم في وقتي السلم والحرب. وبهذا كانت إيطاليا، التي لم تعرف فيما بعد الإقطاع بمعناه الكامل، من أوائل الأمم التي عدت أسس هذا الإقطاع. وكانت خطة شبيهة بهذه تحدث في مصر وإفريقية وغالة.
وكان الاسترقاق آخذاً في الزوال على مهل، وسبب ذلك ألا شيء في الحضارة الراقية يعدل أجر الرجل الحر أو مرتبه أو مكتسبة من حيث هو دافع اقتصادي للعمل والإنتاج. ولم يكن كدح الأرقاء مجزياً من هذه الناحية إلا حين يكثر عددهم؛ وكانت أعباء الاحتفاظ بهن قليلة؛ ولكن نفقات الحصول عليهم زادت حين لم تعد الفيالق الرومانية تنقل إلى بلادها ثمار النصر من الآدميين؛ يضاف إلى هذا أن فرار الأرقاء من سادتهم أصبح الآن أمراً يسيراً بسبب ضعف الحكومة؛ هذا إلى أنه كان لا بد من العناية بهم إذا مرضوا أو تقدمت بهم السن. ولما أن زادت تكاليف الأرقاء رأى سادتهم أن يحافظوا على الأموال التي استثمروها فيه بحسن معاملتهم له؛ ولكن أولئك الأسياد كان لا يزال لهم على عبيدهم حق الحياة والموت، وإن كان هذا الحق مقيداً ببعض القيود (١٩)، كما كان في مقدور السيد أن يستعين بالقانون للقبض على العبد الآبق، وأن يشبع شهوته الجنسية مع من يهوى منهم رجالاً كانوا أو نساءً؛ وهل أدل على هذا من أن بولينوس البلائي Paulinus of Pella كان يفخر بطهارة ذيله في شبابه