شهراً كاملة (٤٣٠ - ٤٣١)، انسحب بعدها جيسريك ليلقي جيشاً رومانياً آخر، وأوقع به هزيمة منكرة اضطر على أثرها سفير فلنتنيان إلى أن يوقع شروط هدنة يعترف فيها باستيلاء الوندال على فتوحهم في أفريقية. وحافظ جيسريك على شروط الهدنة حتى غافل الرومان وانقض على قرطاجنة الغنية واستولى عليها دون أن يلقي أية مقاومة (٤٣٩). وجرد أشراف المدينة وقساوستها من أملاكهم ونفاهم أو جعلهم أقنان أرض. ثم استولى على كل ما وجده من متاع سواء منه ما كان لرجال الدين أو لغيرهم من الأهلين، ولم يتردد في الالتجاء إلى التعذيب للوقوف على مخابئه.
وكان جيسريك لا يزال وقتئذ في شرخ الشباب، وكان إدارياً قديراً أعاد تنظيم أفريقية وجعل منها دولة ذات ثراء عليه المال الوفير، ولكن أسعد أوقاته كان هو الوقت الذي يشتبك فيه في القتال. وقد أنشأ له أسطولاً ضخماً، نهب به سواحل أسبانيا، وإيطاليا، وبلاد اليونان. وكان يفاجئ تلك البلاد حتى لم يكن أحد يدري أي الشواطئ سترسو فيها سفنه المثقلة بالفرسان، ولم تنتشر القرصنة في غرب البحر المتوسط طوال أيام الحكم الروماني دون أن تلقى مقاومة كما انتشرت في تلك الأيام. واضطر الإمبراطور في آخر الأمر أن يعقد الصلح مع ملك البرابرة ليحصل بذلك على القمح الذي تطعم منه رافنا وروما، ولم يكتف بذلك بل وعده أن يزوجه إحدى بناته. وكانت روما في هذه الأثناء لا تزال تضحك وتلعب لاهية عما سيحل بها بعد قليل من دمار.
وكانت ثلاثة أرباع قرن انقضت مذ دفع الهون أمامهم البرابرة الغزاة بعبورهم نهر الفلجا. ثم تباطأ بعد ذلك زحف الهون نحو الغرب فكان هجرة على مهل، وكان أشبه بانتشار المستعمرين في القارة الأمريكية منه بفتوح ألريك وجيسريك. وما لبثوا أن استقروا بعدئذ شيئاً فشيئاً في داخل بلاد المجر، وبالقرب منها، وأخضعوا لحكمهم كثيراً من القبائل الألمانية.