سلطة الكرسي الرسولي وهيبته. ولما أن رفض هيلاري بواتييه Hilary Of Poitiers أن يذعن لحكمه في نزاع شجر بينه وبين أسقف غالي آخر، أرسل إليه ليو أوامر حاسمة عاجلة، أيدها الإمبراطور فالنتنيان الثالث بمرسوم من أهم المراسيم الإمبراطورية يؤكد فيه سلطة أسقف روما على جميعا الكنائس المسيحية، وأعترف أساقفة الغرب بوجه عام بهذه السلطة العليا، أما أساقفة الشرق فقاوموها. وقال بطارقة القسطنطينية وإنطاكيا، وبيت المقدس، والإسكندرية، إن لهم من السلطة ما لكرسي روما، وظل الجدل العنيف قائماً بين الكنائس الشرقية وكانت في خلاله لا تطيع أوامر أسقف روما إلا في القليل النادر. واجتمعت صعاب النقل والاتصال مع اختلاف اللغة فزادت الفرقة بين الكنيسة الشرقية والغربية، لكن بابوات الغرب أخذوا يزيدون من نفوذهم حتى في غير الشئون الدينية: لقد كانوا يخضعون في غير الشئون الدينية إلى الدولة الرومانية وإلى حكام روما، وظلوا حتى القرن السابع يطلبون إلى الإمبراطور يعتمد اختيارهم لمنصبهم الديني. ولكن بعدهم عن أباطرة الشرق وضعف حكام الغرب قد تركا البابا صاحب السلطان الأعلى في روما؛ ولما أن فر أعضاء مجلس الشيوخ وفر الإمبراطور من وجه الغزاة، وتقوضت دعائم الحكومة المدنية، وظل البابوات في مناصبهم لم يرهبهم شيئاً من هذا كله، لما حدث هذا ارتفعت مكانتهم ارتفاعاً سريعاً، وزادت هيبتهم، ولما اعتنق البرابرة الغربيون المسيحية زاد ذلك من سلطة كرسي روما ونفوذه زيادة كبرى.
ولما تركت الأسر الغنية والأرستقراطية الدين الوثني واعتنقت المسيحية كان للكنيسة الرومانية نصيب متزايد من الثروة التي جاءت إلى عاصمة الدولة الغربية، ولشد ما دهش أميانوس حين وجد أن أسقف روما يعيش عيشة الأمراء في قصر لاتران Lateran، ويمشي في المدينة بمظاهر الأبهة الإمبراطورية (٩). وازدانت المدينة وقتئذ بالكنائس الفخمة ونشأ فيها مجتمع ديني راق اختلط فيه رجال