في ظنه حد الخطيئة. ولكنه مع هذا كان مسيحياً شديد التمسك بدينه، عاملا بأوامره، ساعياً إلى خيره، انظم إلى روفينوس وغيره من أصدقائه في تكوين جماعة من الإخوان الزهاد في أكويليا. وكان يعظهم مواعظ يدعوهم فيها إلى الكمال، حتى لامه أسقفه لقلة صبره على ما في الطبيعة البشرية من أسباب الضعف، وكان جواب جيروم أن قال للأسقف إنه جاهل، اللفظ، آثم، خليق بالقطيع العالمي الذي يقوده، مرشد غير حاذق، لسفينة ضالة (١٠)، وترك جيروم وبعض أصدقائه مدينة أكويليا تتردى في خطاياهم، رحلوا إلى الشرق الأدنى ودخلوا ديراً في صحراء خلقيس بالقرب من إنطاكيا (٣٧٤)، ولكنهم لم يحتملوا حرها القاسي غير الصحي فمات اثنان منهم، فأشك جيروم هو أيضاً أن يموت. ولكن هذا لم يثنه عما أراده لنفسه، فغادر الدير ليعيش عيشة النساك في صومعة في الصحراء، وكان يرجع بين الفينة والفينة إلى فرجيل وشيشرون. ذلك أنه جاء معه بمكتبته، ولم يكن في وسعه أن يقطع صلته بالشعر والنثر الذين كان جمالهما يستهويه كما يستهوي جمال الفتيان غيره من الرجال. وإن ما يقوله هو نفسه عن هذا ليكشف عن طبيعة الناس في العصور الوسطى، فقد رأى فيما يراه النائم أنه مات:
"وجئ بي إلى مجلس إلى القضاة الأعلى، وطلب إليّ أن أفصح عن أمر، فأجبت بأنني مسيحي". ولكن من كان يرأس الجلسة قال: إنك لتكذب، فما أنت بمسيحي، ولكنك من أتباع شيشرون؛ فحيثما يكون كنزك يكون أيضاً قلبك" فعقد لساني من فوري ولم أحر جواباً، " ثم شعرت" بضربات السوط لأنه أمر بي أن أجلد … وفي آخر الأمر خر من كانوا يشهدون المحاكمة سجدا بين يدي رئيس الجلسة وتوسلوا إليه أن يرحم شبابي ويتيح لي فرصة التوبة من ذنبي، على أن يصب على أقصى أنواع العذاب إذا ما عدت إلى قراءة كتب المؤلفين غير المسيحيين … ولم تكن هذه التجربة أضغاث أحلام لذيذة … بل إني