للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عند أوغسطين يحذر منه جيروم (٤١٥): وعقد مجمع ديني شرقي ليحاكم الراهب، ولكنه قرر صحة عقائده، غير أن مجمعاً أفريقياً نقض هذا الحكم بتحريض أوغسطين ولجأ إلى البابا إنوسنت Innocent الأول فأعلن أن بلاجيوس مارق من الدين؛ وحينئذ ملأ الأمل صدر أوغسطين فأعلن أن "القضية قد أصبحت مفروغاً منها

Causa finita est (١) ثم مات إنوسنت وخلفه زوسموس Zosimus وأعلن أن بلاجيوس برئ. ولجأ أساقفة أفريقية إلى هونوريوس، وسرّ الإمبراطور أن يصحح خطأ البابا، وخضع زوسموس للإمبراطور (٤١٨)، وأعلن مجلس إفسوس أن ما يراه بلاجيوس من أن في مقدور الإنسان أن يكون صالحاً دون أن يستعين بنعمة الله زيغ وضلال.

وفي استطاعة الباحث أن يجد في أقوال أوغسطين متناقضات وسخافات بل وقسوة سقيمة في التفكير، ولكن ليس من السهل أن يتغلب عليه لأن الذي يشكل آراءه الدينية في أخر الأمر هو مغامراته الروحية، ومزاجه الجياش بالعاطفة لا تفكيره المنطقي المتسلسل. ولقد كان يعرف ما ينطوي عليه العقل البشري من ضعف، ويدرج أن تجارب الفرد القصيرة هي التي تحكم حكماً طائشاً على تجارب الجنس البشري كله ويقول: "كيف تستطيع أربعون عاماً فهم أربعين قرناً؟ " وقد كتب إلى صديق له يقول: "لاتعارض بحجج قوية هائجاً فيما لا يزال عسير الفهم عليك، أو فيما يبدو لك في الكتاب المقدس … من تباين وتناقض، بل أجِّل … في وداعة اليوم الذي تفهمه فيه" (٧١) إن الإيمان يجب أن يسبق الفهم. لا تحاول أن تفهم لكي تؤمن، بل آمن لكي تفهم" (٧٢). "وقوة الأسفار المنزلة أعظم من جميع جهود الذكاء البشري" (٧٣). لكنه يرى


(١) ليس في مقدورنا أن نجد فيما لدينا من مؤلفات أوغسطين أو في الروايات الموثوق بها عنه تلك الالفاظ التي تعزى له غالبا بهذه المناسبة وهي: "لقد تكلمت روما وانتهت القضية" (Roma locuta est، Causa finita) .