للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإنسان حين تصرعه الشدائد هو ذكرى ما كان ينعم به من سعادة" (٧٤). وهو يسأل السيد الفلسفة- بعد أن ينزلها منزلة العقلاء كما يفعل أهل العصور الوسطى- عن موضع الفلسفة الحقه، ويتبين أنها لا تكون في المال أو المجد، ولا في اللذة أو السلطان؛ ومن ثم يرى أنه لا توجد سعادة حقه أو دائمة إلا في الاتصال بالله، ويقول إن "النعمة الحقه هي الاتصال بالله" (٧٥). ومن أغرب الأشياء أنه ليس في الكتاب كله سطر واحد يشير إلى فساد الأخلاق الشخصية، وليس فيه إشارة إلى المسيحية أو أية عقيدة من عقائدها، ولا سطر واحد غير خليق بأن يكتبه زينون، أو أبيقور، أو أورليوس. ومن ثم فإن آخر كتاب في الفلسفة الوثنية قد كتبه مسيحي تذكر في ساعة موته أثينة لا جلجوثا Gelgotha.

ودخل عليه الجلاد في اليوم الثالث والعشرين من شهر أكتوبر من عام ٥٢٤، ثم ربطوا عنقه بحبل وشدوه حتى جحظت مقلتاه وخرجتا من وقبيهما، ثم انهالا عليه ضرباً بالعصي الغليظة حتى قضى نحبه، وقتل سيماخوس بعد بضعة أشهر من ذلك الوقت. ويقول بروكبيوس (٧٦) إن ثيودريك بكى لما ارتكبه من ظلم في حق بؤيثيوس وسيماخوس، وفي عام ٥٢٦ لحق ضحيته إلى القبر.

ولم تبقى مملكته طويلاً بعد موته، وكان قبل وفاته قد اختار حفيده أثلريك Athalric ليخلفه على العرش، ولم يكن حفيده هذا قد جاوز العاشرة من عمره ولذلك حكمت أمه أمالاسنثا Amalasuntha، وكانت امرأة نالت قسطاً كبيراً من التعليم والتثقيف، وكانت صديقة لكسيدورس أو لعلها كانت تلميذة له؛ فلما شرعت تحكم البلاد باسم ولدها دخل في خدمتها كما كان من قبل في خدمة أبيها، ولكنها كانت تميل كل الميل إلى الأساليب الرومانية، فأغضبت بذلك رعاياها القوط، ولم يكونوا راضين عن الدراسات اليونانية واللاتينية القديمة التي