الأصنام، وفساد الأخلاق، وترى أن هذه التماثيل العارية لا تتفق مع ما يجب أن تحاط به البكورة والعزوبة من إجلال. ولما خيل إلى الناس أن الجسم أداة الشيطان، وأصبح الراهب مثل الرجولة الأعلى بدل الرجل الرياضي، اختفت من الفن دراسة التشريح، ولم يبق في فني النحت والتصوير إلا وجوه كئيبة وثياب لا شكل لها. فلما انتصرت المسيحية على الوثنية واحتاجت إلى صروح ضخمة تأوي عبادها المتزايدين، أخذت تقاليد الفن المحلية والقومية تثبت وجودها مرة أخرى، وارتفع فن البناء فوق الأنقاض. يضاف إلى هذا أن تلك الصروح الرحبة كانت تلح في طلب الزخرفة والزينة، وكان العابدون في حاجة إلى تماثيل للمسيح ومريم يقوى بها خيالهم، وإلى صور تحدث السذج الأميين عن قصة إلههم المصلوب. وهكذا ولدت فنون النحت والفسيفساء والتصوير من جديد.
ولم يكن الفن الجديد في روما إلا اختلافاً قليلاً عن الفن القديم. فقد انتقلت من الوثني إلى المسيحية متانة البناء، وبساطة الشكل، وطرز الباسلقا المعمدة. ومثال ذلك أن مهندسي قسطنطين خططوا كنيسة القديس بطرس الأولى بالقرب من ساحة الألعاب الحيوانية التي أنشأها نيرون على تل الفاتيكان، وجعلوا طولها ٣٨٠ قدماً وعضها ٢١٢. وقد ظلت هذه الكنيسة مدى اثني عشر قرناً أعظم كنائس المسيحية اللاتينية حتى هدمها برامنتي ليقيم في مكانها كنيسة أكبر منها هي كنيسة القديس بطرس الحالية. وأعاد فلنتيان الثاني وثيودوسيوس الأول بناء الكنيسة التي أقامها قسطنطين "للقديس بولس خارج الأسوار San Paolo fuori le mura " في المكان الذي قيل إن الرسول استشهد فيه. وهذه الكنيسة أقل أتساعاً من كنيسة القديس بطرس، فقد كان طولها أربعمائة قدم وعرضها مائتين (١). ولا تزال كنيسة القديس قنسطنزا Santa Constanza التي أقامها
(١) وقد دمرتها النيران في عام ١٨٢٣ ولكنها أعيدت على الطراز القديم في ١٨٥٤ - ١٨٧٠. ونسبها المحكمة وأعمدتها الفخمة تجعلها من أعظم الصروح التي شاهدها بنو الإنسان.