للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مزجت العناصر الإيرانية، والأرمنية، والكبدوكية والسورية (٣٥)، ونقلها التجار، والرهبان، والفنانون إلى إنطاكية، والإسكندرية، وإفسوس، والقسطنطينية، ثم نقلوها أخيراً إلى رافنا وروما، فكادت النظم اليونانية والرومانية القديمة تفقد قيمتها في هذا العالم المعماري الجديد، عالم العقود والأقواس، والقباب.

ولما اتخذ الفن البيزنطي هذه الصورة الجديدة عمل على نشر العقائد المسيحية وإظهار مجد الدولة. فأخذ يقص على الثياب والقماش المزركش، وفي نقوش الفسيفساء ورسوم الجدران، حياة المسيح وأحزان مريم، وأعمال الرسل والشهداء الذين تضم الكنائس عظامهم؛ أو دخل بلاط الأباطرة، وزين قصر الإمبراطور، وغطى ملابس الموظفين بصورة رمزية أو رسوم تاريخية وخطف أبصار رعاياه بالملابس الزاهية الكثيرة الألوان، وانتهى أمره بأن صورة المسيح ومريم في صورتي إمبراطور وملكة. ذلك أن الفن البيزنطي لم يكن له كثير من المؤيدين يختار من بينهم من يناصره، ولهذا لم يكن له مجال واسع يختار منه موضوعاته وطرازه، فكان الإمبراطور أو البطرق هو الذي يحدد له ما يعمل ويبين له طريق العمل، وكان الفنانون يعملون جماعات، ولهذا قلما يذكر التاريخ أسماء فنانين أفراداً، ولكنهم أتوا بالمعجزات في بهاء الألوان؛ وكان الفنان يرفع من شأن الناس أو يحط من قدرهم بمستحدثاته الرائعة؛ ولكن هذه المنزلة اقتضته استمساكاً بالأشكال والأنماط المتبعة، وضيقاً في المجال، وجموداً في خدمة ملك مطلق التصرف ودين لا يقبل التغيير.

وكان تحت تصرفه مواد كثيرة يستخدمها في عمله، كانت لديه محاجر الرخام في بروكنسوس Procnnesus، وأتكا، وإيطاليا؛ وكانت لديه عمد وتيجان ينتهبها من كل هيكل وثني قائم، وكان لديه الآجر يكاد ينمو كالنبات في الأرض التي تجففها الشمس. وكان أكثر ما يعمل فيه الآجر المثبت بالملاط؛ ذلك أنه