ولكنهم حنوا فيما بعد إلى أوطانهم، فاشترط الملك "البربري" في المعاهدة التي عقدها مع جستنيان عام ٥٣٣ أن يسمح للحكماء اليونان بالعودة إلى أوطانهم وألا يمسهم أي أذى.
وفي عهد هذا الملك المستنير أصبحت كلية غنديسابور التي أنشئت في القرن الرابع أو الخامس "أعظم المراكز الثقافية في ذلك العهد (١٨) "، ويهرع إليها الطلاب والمدرسون من كافة أنحاء العالم. وكان يؤمها النساطرة المسيحيون، الذين جاءوا معهم بتراجم سريانية لكتب الطب والفلسفة اليونانية. وجاء إليها أتباع الأفلاطونية الجديدة وبذروا فيها بذور العقائد الصوفية، وامتزجت فيها علوم الطب الهندية، والفارسية، والسورية، واليونانية. ونتج عنها مدرسة للعلاج مزدهرة ناجحة (١٩). وكان المرض حسب النظرية الفارسية ينتج إذا دنس أو تلوث ركن أو أكثر من الأركان أو العناصر الأربعة -النار، والماء، والتراب، والهواء. ويقول أطباء الفرس وكهنتهم إن الصحة العامة تتطلب إحراق كل المواد المتعفنة، وإن صحة الأفراد تتطلب الطاعة التامة لقانون الطهارة الزرداشتي (٢٠).
ولسنا نعرف عن علم الفلك عند الفرس في ذلك الوقت أكثر من أنه قد احتفظ لهم بتقويم منظم، وأن سنتهم كانت تنقسم إلى اثني عشر شهراً في كل منها ثلاثون يوماً، وأن الشهر كان ينقسم إلى أربعة أسابيع، اثنان منها يحتوي كل منها على سبعة أيام واثنان في كل منهما ثمانية، وأنهم كانوا يضيفون خمسة أيام في آخر العام (٢١). وكان التنجيم والسحر منتشرين في البلاد، فلم يكونوا يقدمون على عمل هام دون الرجوع إلى أبراج النجوم، وكانوا يعتقدون أن جميع مصائر الناس على هذه الأرض تحددها النجوم الطيبة والخبيثة التي تحترب في السماء - كما تحترب الملائكة والشياطين في النفس البشرية - حرب أهورا مزدا وأهرمان القديمة.