المجوس ذوي النزعة الحربية القومية، واضطر أتباعه إلى العمل على نشر دينهم في خارج البلاد. أما اليهودية والمسيحية فكانتا بوجه عام تلقيان من الملوك والكهنة الساسانيين كثيراً من التسامح، كما كانت البابوات أكثر تسامحاً مع اليهود منهم مع المارقين من الدين المسيحي. وقد وجد كثير من اليهود ملجأ لهم في الولايات الغربية من الإمبراطورية الفارسية. وكانت المسيحية قد ثبتت دعائمها في تلك الولايات حين جلس الساسانيون على العرش، وظلت لا تلقى معارضة منهم حتى أضحت الدين الرسمي لعدوي الفرس القديمين وهما بلاد اليونان وروما؛ فلما أشترك قساوستها اشتراكاً فعلياً في الدفاع عن الأقاليم البيزنطية ضد شابور الثاني، كما حدث عند نصيبين عام ٣٣٨، شرع ملوك الفرس يضطهدونهم (٢٤)، وبدأ المسيحيون في فارس يجهرون بآمالهم الطبيعية في انتصار الدولة البيزنطية. وأمر شابور في عام ٣٤١ بذبح جميع المسيحيين الساكنين في الإمبراطورية، ولما أن رأى أن قرى بأكملها من القرى المسيحية قد أقفرت من أهلها أمر بأن يقتصر على قتل القسيسين، والرهبان، والراهبات؛ ولكن ١٦. ٠٠٠ مسيحي قد أهلكوا نتيجة لهذا الاضطهاد الذي دام حتى موت شابور (٣٧٩). ولما جلس يزدجر الأول على العرش (٣٣٩ - ٤٢٠) رد للمسيحيين حريتهم الدينية، وساعدهم على بناء كنائسهم، حتى إذا كان عام ٤٢٢ قرر مجلس من أساقفة الفرس استقلال الكنيسة المسيحية الفارسية عن الكنيستين المسيحيتين اليونانية والرومانية.
وفي داخل هذا الإطار المكون من العبادات والمنازعات الدينية، والمراسيم والأزمات الحكومية والحروب الداخلية والخارجية، في داخل هذا الإطار كان الناس يمدون الدولة والكنيسة بمقومات حياتهما -يفلحون الأرض، ويرعون الماشية والضأن، ويمارسون الصناعات اليدوية، ويتبادلون التجارة. وكانت الزراعة عندهم من الواجبات الدينية، فكان الشعب يعلم أن تنظيف