عنده ليخلصهم من الأحباش الذين فتحوا بلادهم. فلما أنجى الفرس الحميريين من الغزاة، وجد هؤلاء أن بلادهم قد أضحت ولاية فارسية. وكان جستنيان قد عقد حلفاً مع بلاد الحبشة، ورأى خلفه جستين الثاني أن طرد الفرس للأحباش من جزيرة العرب عمل عدائي موجه له. هذا إلى أن الترك الضاربين على الحدود الشرقية لبلاد الفرس قد اتفقوا سراً أن ينضموا إلى من يهاجمون كسرى. وأعلن جستين الحرب في عام ٥٧٢. ونزل كسرى إلى الميدان بنفسه لعى الرغم من كبر سنه، واستولى على مدينة دارا الواقعة على الحدود الرومانية؛ ولكن صحته خانته فهزم لأول مرة في حياته (٥٧٨)، وارتد إلى طيسفون حيث وافته منيته في عام ٥٧٩ ولسنا نعرف سنه بالضبط حين وفاته. وقد امتد حكمه ثمانية وأربعين عاماً كسب فيها كل ما خاضه من الوقائع عدا واقعة واحدة؛ ووسع حدود إمبراطوريته في جميع جهاتها، وجعل بلاد الفرس أقوى منها في أي عهد آخر بعد عهد دارا الأول؛ ووهبها نظاماً من الحكم بلغ من شأنه أن العرب حين فتحوا تلك البلاد فيما بعد اتخذوه نظاماً لحكمها دون أن يدخلوا عليه تغييراً يستحق الذكر. ويكاد كسرى أن يكون معاصراً لجستنيان؛ ولكن معاصريهما مجمعون على أنه أعظم ملكين، ويعده من جاء بعده من الفرس أقوى من حكم بلادهم في تاريخها كله وأعظمهم شأناً.
وحكم بعده ابنه هرمز الرابع (٥٧٩ - ٥٨٩) ولكن قائده بهرام قوبين خلعه وأعلن نفسه وصياً على كسرى الثاني ابن هرمز (٥٨٩)، ثم أعلن نفسه ملكاً بعد عام واحد من ذلك الوقت. ولما بلغ كسرى سن الرشد طالب بعرش أبيه؛ فرفض بهرام طلبه، ففر كسرى إلى هيرابوليس في سوريا الرومانية؛ وعرض عليه الإمبراطور اليوناني موريس أن يعيده إلى ملكه إذا انسحب الفرس من أرمينية. ووافق كسرى على هذا الطلب؛ وشهدت طيسفون ذلك المنظر العجيب الفذ منظر جيش روماني يُجلس على العرش ملكاً فارسياً (٥٩٦).