إنه وجد بالكعبة من أيام إبراهيم، ويرى علماء المسلمين أنه رمز لذلك الفرع من أبناء إبراهيم فرع إسماعيل وأبنائه الذي نبذه بنو إسرائيل فكان منه آباء قبيلة قريش. ويؤيدون قولهم هذا بما جاء في المزمور الثامن عشر بعد المائة في الآيتين ٢٢ و ٢٣ "الحجر الذي رفضه البناؤون صار رأس الزاوية"، وفي الآيتين ٤٢ و ٤٣ من الإصحاح الحادي والعشرين من إنجيل متي، وهو قول عيسى بعد أن نطق بهذه العبارة العجيبة:"لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره" وإن لم يكن في وسع المسلمين أن يقولوا إنهم قد حققوا ما قاله عنهم المسيح (١).
وكان في الكعبة قبل الإسلام عدد من الأصنام تمثل معبودات العرب. منها، اللات، والعزى، ومناة. وفي وسعنا أن ندرك قدم عهد هذه الآلهة العربية إذا عرفنا أن هيرودوت قد ذكر الإلات (اللاَّت) على أنها من أكبر أرباب العرب. وكانوا يقولون لأهل مكة أن إلههم الأكبر رب أرضهم، وإن عليهم أن يؤدوا لها عشر محاصيلهم، والثمرة الأولى من نتاج قطعانهم. وكانت قريش، وهي التي تعزو نسبها إلى إبراهيم وإسماعيل، تختار من بين رجالها سدنة الكعبة وخدامها والمشرفين على مواردها المالية. وكانت أقلية أرستقراطية منه هم بنو قصي يتولون زمام الحكومة المدنية في مكة.
وكانت قريش في بداية القرن السادس منقسمة إلى فئتين متنافستين، إحداهما يتزعمها التاجر الثري الخير هاشم، والأخرى يتزعمها ابن أخيه أمية.
(١) إن كان المؤلف يقصد ما جاء به المسيح من التسامح والرحمة فإن التاريخ لا يعرف كالمسلمين في تراحمهم ودعوتهم للسلام والمحبة. والقرآن ووصايا الرسول والخلفاء أكبر شاهد على هذا، ولكن التسامح والرحمة والدعوة إلى الإسلام والمحبة في الدين الإسلامي ممزوجة كلها بالقوة وعزة النفس. (المترجم)