من الأطباء؛ وقد فرضوا على الناس، بفضل نفوذهم عندهم، طرقاً للعلاج أبعد ما تكون عن العقل. فكان منشأ المرض في رأيهم تقمص الشيطان جسم المريض لذنب ارتكبه، وكان أكثر ما يعالج به لهذا السبب تلاوة العزائم وأعمال السحر والصلوات. فإذا ما استخدمت العقاقير الطبية، فإنها لم تكن تستخدم لتطهير جسم المريض، بل كان استخدامها لإرهاب الشيطان وإخراجه من الجسم. وكان أكثر الأدوية شيوعاً عقاراً مكوناً من خليط من العناصر التي تعافها النفس اختيرت لهذا السبب عن قصد، ولعلهم كانوا يفترضون أن معدة المريض أقوى من معدة الشيطان الذي يتقمصه. وكانت العناصر المألوفة لديهم هي اللحم الني، ولحم الثعابين، ونشارة الخشب الممزوجة بالنبيذ والزيت؛ أو الطعام الفاسد، ومسحوق العظام، أو الشحم والأقذار، ممزوجة ببول الحيوان أو الإنسان أو برازه (١٥٩). وفي بعض الحالات كان يستبدل بهذا العلاج بالأقذار لبن وعسل وزبد وأعشاب عطرة يحاولون بها استرضاء الشيطان فإذا لم يفلح مع المريض كل علاج، ُحمل في بعض الحالات إلى السوق لكي يتمكن جيرانه من أن يشبعوا رغبتهم القديمة فيصفوا له العلاج الفعال الذي لا يخطئ (١٦١).
على أن من واجبنا أن نقول أن الثمانمائة لوح التي بقيت لدينا لتحدثنا عن طب البابليين لا تحتوي على كل ما كان لديهم منه ولعلنا نظلمهم إذا حكمنا عليهم بما نجده فيها وحدها. ذلك أن استعادة الكل الضائع من جزء صغير عثر عليه منه من أشد الأعمال خطورة في التاريخ، وليست كتابة التاريخ إلا إعادة الكل من جزئه. وليس ببعيد أن لا يكون العلاج بالسحر إلا استخداما لقوة الإيحاء استخداماً ينطوي على كثير من الدقة؛ ولعل هذه المركبات الكريهة كان يقصد