في حانوت صائغ إذ شبك يهودي خبيث قميصها من وراء ظهرها في أعلى ثيابها، فلما قامت ورأت ما فعل بها بكت مما لحقها عار فقتل أحد المسلمين اليهودي الأثيم، وقتل أخوه اليهودي المسلم، فجمع محمد أتباعه وحاصر يهود بني قينقاع في حيهم خمسة عشر يوماً، حتى استسلموا، فقبل استسلامهم وأمرهم أن يخرجوا بقضهم وقضيضهم من المدينة ويتركوا وراءهم جميع ممتلكاتهم، وكان عددهم في ذلك الوقت نحو سبعمائة.
ولا يسعنا إلا أن نعجب بأبي سفيان لأنه استطاع أن يكظم غيظه وينتظر بعد يمينه غير الطبيعية عاماً كاملاً قبل أن يقدم على قتال محمد. وفي أوائل ٦٢٥ سار على رأس جيش تبلغ عدته ثلاثة آلاف رجل إلى جبل أحد على بعد ثلاثة أميال شمالي المدينة، وصحب الجيش خمسة عشر من النساء بينهن زوجات أبي سفيان ليثرن حماسة الجند بأغانيهن الحزينة ودعوتهن إياهم إلى الانتقام.
ولم يكن جيش المسلمين يزيد على ألف، وهُزم المسلمون في هذه الغزوة، وحارب فيها محمد بشجاعة عظيمة، وأصيب بعدة جروح وحُمل من الميدان. وقتل في المعركة حمزة عم النبي ومضغت كبده هند أشهر زوجات أبي سفيان، وكان أبوها، وعمها، وأخوها قد قتلوا جميعاً في غزوة بدر، وكان حمزة نفسه هو الذي قتل أباها، ثم لم تكتفِ بهذا بل صنعت لنفسها من جلده وأظافرهِ خلاخيل وأساور. وظن أبو سفيان أن محمداً قد مات، وعاد منتصراً إلى مكة (١). وبعد ستة أشهر من هذه الواقعة شفي النبي واستطاع أن يهاجم بني النضير، لأنهم أعانوا قريشاً على
(١) الذي تذكره كتب السيرة "أن قريشاً خرجوا معهم بالظعن (أي نسائهم) التماساً للحفيظة وألا يفروا" (أبن هشام ج٢ ص ١٢٧) ثم ذكر ابن هشام بعد هذا بعض من خرجن من النساء فلم يصل بهن إلى عشر ومن بينهن زوجة أبي سفيان لا زوجاته وهي هند بنت عتبة، كذلك يقول ابن هشام إن الرسول تهيأ للقتال في سبعمائة رجل فقط (ابن هشام ج٢ ص ١٢٩). (ي)