معظمهم دون ذلك يقضون وقتهم في تضليل الناس وغوايتهم. وزعيم الجن الأشرار إبليس، وكان من قبل من الملائكة الأخيار ولكنه أبى أن يسجد لآدم فطرده الله من رحمته.
والمحور الذي تدور عليه المبادئ الأخلاقية في القرآن، كما هي الحال في كتاب العهد القديم، هو خوف العقاب ورجاء الثواب في الحياة الآخرة، "اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد"(سورة الحديد ٢٠) وليس فيها محقق إلا شيء واحد هو الموت. وكان بعض العرب يعتقدون أن كل شيء ينتهي عند الموت، ويسخرون من عقيدة الدار الآخرة، ويقولون "إن هذا إلا أساطير الأولين"(سورة المؤمنون ٨٣)، ولكن القرآن يؤكد بعث الجسم والروح (سورة القيامة ٣ - ٤) ولن يكون هذا البعث بعد الموت مباشرة، بل إن الموتى سينامون إلى يوم القيامة، ولكن نومهم هذا سيحملهم على الظن بأن استيقاظهم سيكون بعد موتهم على الفور. وعلم يوم القيامة عند الله وحده، ولكنه تسبقه علامات تنبئ بهِ، فإذا قرب ذلك اليوم ضعف إيمان الناس، وفسدت أخلاقهم، وكثر التشاحن والشقاق والحروب العوان، وتمنى العقلاء الموت. وستكون آخر النذر ثلاث نفخات في الصور، ففي النفخة الأولى تكسف الشمس، وتهوي النجوم، وتزول السموات، وتدك الجبال والمباني فلا تُرى فيها عوجاً ولا أمتاً، وتجف مياه البحر أو تتطاير لهباً (سورة طه ١٠٢ وما بعدها). وفي النفخة الثانية تهلك الخلائق جميعها-الملائكة والجن والبشر-إلا من رحم الله، وبعد أربعين عاماً ينفخ إسرافيل النفخة الثالثة فتقوم الجسام من القبور وتتصل بالأرواح، ويتجلى الله لعباده تحف بهِ الملائكة يحملون الكتب التي دونت فيها أعمال الناس جميعها وأقوالهم وأفكارهم (١).
(١) المعروف فيما يختص بالنفخ في الصور أنهما نفختان لا ثلاث نفخات، وبعد النفخة الأولى يهلك كل الخلائق إلا من شاء الله وهم كما يقول الغزالي في إحياء علوم الدين ج٤ ص ٢٦٧ من طبعة المطبعة العامرة الشرقية سنة ١٣٥٦ هـ- جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت الذين يموتون أيضاً بعد حين. ثم يحي الله إسرافيل فيأمره أن ينفخ النفخة الثانية التي بها يقوم الموتى للحشر والحساب. راجع قوله تعالى في سورة الزمر الآية ٦٨ (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم نفخ فيهِ أخرى فإذا هم قيام ينظرون" راجع أيضاً كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان جـ ٣ ص ٤١٢ باب ما بين النفختين.