للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دين سهل من الوجهة الأخلاقية. كذلك كان من طبيعة العرب الآخذ بالثأر، ولهذا لم يدع الإسلام إلى مقابلة الإساءة بالإحسان (١). "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" (سورة البقرة ١٩٤) "ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل" (سورة الشورى ٤١)، تلك أخلاق تليق بالرجال، شبيهة بما جاء في العهد القديم، فهي تؤكد فضائل الرجولة كما تؤكد المسيحية فضائل الأنوثة. وليس في التاريخ دين غير دين الإسلام يدعو أتباعه على الدوام إلى أن يكونوا أقوياء، ولم يفلح في هذه الدعوة دين آخر بقدر ما أفلح فيها الإسلام: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا" (سورة آل عمران ٢٠٠) هكذا كان يقول أيضاً زرادشت الذي نادى بمبادئ نتشة قبل وجود نتشة بزمن طويل.

والمسلمون يعظمون القرآن إلى درجة تقرب من العبادة، وقد كتبوا المصاحف وزينوها وبذلوا في سبيل ذلك كل ما يستطيعون من عناية مدفوعين إليها بحبهم له، وهو الكتاب الذي يبدأ منه أطفال المسلمين بتعلم القراءة، وهو المحور الذي يدور عليه تعليمهم والذروة التي ينتهي بها هذا التعليم. وقد ظل أربعة عشر قرناً من الزمان محفوظاً في ذاكرتهم، يستثير خيالهم، ويشكل أخلاقهم، ويشحذ قرائح مئات الملايين من الرجال. والقرآن يبعث في النفوس


(١) لم يجيء الإسلام ليساير العرب على ما كانوا عليه من عقائد باطلة وتقاليد غير مستحبة بل جاء ليغير كل هذا إلى خير؛ وقد فعل ذلك حقاً. وقد أمر بالرحمة والمغفرة ولكن من غير ذلة لأنه دين قوة لا دين ضعف وخنوع. وللرسول مواقف تتجلى فيها هذه المغفرة. من ذلك موقفه من قريش بعد فتح مكة التي آذته هو وأصحابه أشد الأذى، فقد عفا عنهم جميعاً وكان مما قال لهم "اذهبوا فأنتم الطلقاء". ويقول الله جل شأنه في سورة فصلت "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم".