للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنه لو كان حياً في زمان النبي لما تركه يطأ الأرض بقدمه المباركة ولحمله على كتفيه أينما أراد.

والمسلمون الصالحون لا يطيعون ما ورد في القرآن وحده، بل يعملون أيضاً بالأحاديث والسنن النبوية التي احتفظ بها علماؤهم على مر الأجيال والقرون. ذلك أن المسلمين قد يواجهوا على مر الزمن مسائل خاصة بالعقائد، والعبادات، والأخلاق، والتشريع، لا يجدون لها جواباً صريحاً في القرآن. كذلك وردت في القرآن آيات متشابهات يخفى معناها على كثير من العقول وتحتاج إلى إيضاح. ولهذا كان من المفيد أن يعرف المسلمون ما فعله النبي أو الصحابة وما قالوه في أمثال هذه الموضوعات. ومن أجل ذلك وجه بعض المسلمين عنايتهم إلى جمع هذه الأحاديث، وامتنعوا عن تدوينها في القرن الأول من الهجرة (١). وأنشئوا مدارس لحديث في مختلف المدن يلقون فيها دروساً عامة في الحديث والسنن النبوية، ولم يكن من غير المألوف أن يسافر الواحد منهم من الأندلس إلى بلاد


(١) يقول المؤلف إن المسلمين امتنعوا عن تدوين أحاديث الرسول في القرن الأول الهجري والحق أنه كان من الصحابة من لا يرى تدوين الحديث لكي تكون الهمة مقصورة على القرآن وحده، ولكن من الحق أيضاً أن تدوين الحديث بدئ منذ فجر الإسلام في القرن الأول، بل أن بعض ذلك يرجع إلى عهد الرسول نفسه. لقد جاء في صحيح البخاري أن الرسول أمر فكتبت خطبته التي خطبها يوم فتح مكة، وفي هذا الباب أيضاً نجد أبا هريرة يقول: ما من أحد أحفظ مني لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أكثر مني رواية له، غير عبد الله بن عمرو بن العاص لأنه كان يكتب كل ما يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ولم أكن أكتب. وفي سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد بن حنبل أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كنت اكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش عن ذلك وقالوا: تكتب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الغضب والرضا! فأمسكت، حتى ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق" وأومأ بإصبعه إلى فيهِ حين قال ذلك. راجع مسند احمد، جـ ٢: ١٦٢ و ١٩٢، سنن أبي داود، جـ ٢: ٢٢ وجامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، جـ ١: ٧١ وراجع أيضاً بحثاً قيماً في ذلك، للعلامة السيد سليمان عبد القدوس، الرسالة المحمدية طبعة المطبعة السلفية بالقاهرة سنة ١٣٧٢ هـ ص ٥٣ وما بعدها. (ي)