للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسيقانهم بالحلي الثمينة. ويقول شاعر يتغزل في فتاة إن رنين خلاخيلها قد سلبه عقله (٩٣). ولم تكن النساء في العادة يحضرن مجتمعات الرجال، وكان يحل محلهن الشعراء، والمطربون، والسمار الفكهون، وما من شك في أنهم كانوا يتحدثون عن الحب؛ وكانت الجواري الغيد يرقصن حتى يصبح الرجال أسرى لهن. وفي المجتمعات التي كانت أكثر من هذه أدباً كان الناس يستمعون إلى أناشيد الشعراء أو إلى آيات القرآن الكريم. ومنهم من أنشئوا ندوات فلسفية كإخوان الصفا، ويحدثنا المؤرخون عن نادي قائم حوالي عام ٧٩٠ مؤلف من عشرة أعضاء، واحد من السنيين، وآخر من الشيعة، وثالث من الخوارج، ورابع من المانوية (١)؛ ومن شاعر غزلي، وفيلسوف مادي، ومسيحي، ويهودي، وصابئي، وزرادشتي. ويقول المؤرخون إن اجتماعات هؤلاء الأعضاء كان يسودها روح التسامح المتبادل، والفكاهة الحلوة، والنقاش الهادئ الذي يمتاز بالأدب والمجاملة (٢). ويكن القول بوجه عام إن المجتمع الإسلامي كان مجتمعاً ذا أدبٍ راقٍ إلي أقصى حدود الرقي؛ وما من شك في أن الشرق من عهد قورش إلى لي هونج تشانج قد فاق الغرب في الرقة الكياسة؛ وكان من المظاهر التي تشرف بها الحياة في بغداد أن الفنون العلوم التي لا يحرمها الإسلام كانت كلها بلا استثناء تجد فيها من يشجعها ويأخذ بناصرها، وأن المدارس على اختلاف درجاتها كانت كثيرة العدد منتشرة في جميع الأنحاء، وأن الهواء كان يردد أصداء الشعراء.

ولا يحدثنا المؤرخون بالشيء الكثير عن حياة الدهماء، وكل ما نستطيع أن نفترضه هو أنهم كانوا يعملون على بقاء هذا الصرح الفخم بخدماتهم وكدحهم.


(١) أتبلغ ما في وهو رجل من أهل إكبانانا (همذان) (١٢٥ - ٢٧٦)، وكان يقول إن كل شيء يخرج من الصين رئيسيين هما النور والظلمة، أو الخير والشر.
(٢) ما أشبه هذا بالمجتمع الخيالي الذي يحدثنا عنه لويس دكنسن في كتابيه "معرض الآراء الحديثة" و "العدالة والحرية" وقد ترجما إلى اللغة العربية. (المترجم)