ما لا يزيد على مليمين في الأسبوع، أما باقي النفقات فكان يؤديها المحسنون الخيرون. وكان منهاج التعليم من هذا النوع في المدارس غاية في البساطة يشمل ما يكفي لأداء الصلاة، ويمكن الطفل من قراءة القرآن، ثم حفظ القرآن نفسه ومعرفة ما فيه من أحكام الدين، والقصص، ومبادئ الأخلاق، والشريعة الإسلامية. وتركت الكتابة والحساب للتعليم الأعلى من هذه الدرجة، وربما كان سبب ترك الكتابة أنها في الشرق فن يحتاج إلى تدريب خاص، فضلاً عن أن الكتبة، كما يقول المسلمون، يستطيع كل من يطلبهم أن يجدهم (٣) وكان جزء صغير من القرآن يحفظ كل يوم عن ظهر قلب، ثم يتلى بصوتٍ عالٍ، وكان الهدف الذي يبغيه كل متعلم أن يحفظ القرآن كله عن ظهر قلب؛ والذين يصلون إلى هذا الهدف يُسَمّونَ بالحفّاظ وتكون لهم في البلاد مكانة عالية. وكان من يتعلم الكتابة؛ والرمي بالقوس، والسباحة هو عندهم "الرجل الكامل". وكانت طريقة التعليم هي المذاكرة، وأداته هي العصا، وكان العقاب المعتاد هو الضرب بعصا من جريد على باطن القدم. ومن أقوال هارون الرشيد لمعلم ولده الأمين:"ولا تمر بكَ ساعة إلا وأنتَ مغتنم فائدة تفيده إياه من غير أن تحزنه فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه: وقوَّمه ما استطعت بالقرب والملاينة فإذا أباهما فعليك بالشدة والغلظة"(٤).
وكان التعليم الأولي يهدف إلى تقوين الأخلاق، والثانوي إلى معرفة العلم. وكان المعلم يجلس مستنداً إلى عمود أو جدار في مسجد، ويلقي دروساً في التفسير والحديث، والفقه، والشريعة. وحدث في وقت غير معروف أن وضعت الحكومة هذه "المدارس الثانوية" تحت إشرافها وتكلفت بالإنفاق عليها. وأضيف إلى المنهاج الديني الأساسي علم النحو، وفقه اللغة، والبلاغة، والأدب، والمنطق، والعلوم الرياضية، والفلك. وكان علم النحو يلقى اهتماماً خاصاً لأن اللغة العربية كانت تعد أقرب اللغات إلى الكمال، وكان استعمالها صحيحة أهم ما يمتاز