وبابل، وأخضع لحكمه دمشق والسامرة، وبابل، ومد ملك أشور من جبال قفقاس إلى مصر، ولما مل الحرب وجه همه إلى شئون الحكم، فاثبت أنه إداري عظيم، وشاد كثيرا من الهياكل والقصور، وساس إمبراطوريته الواسعة سياسة قوية حازمة، وأسلم روحه وهو في فراشه. وجلس على العرش سرجون الثاني، وهو ضابط من ضباط الجيش، على أثر انقلاب سياسي نابليوني، وقاد جيوشه بنفسه، وكان في كل واقعة يتخذ لنفسه أشد المواقف خطورة (١١)، وهزم عيلام ومصر، واسترد بابل، وخضع له اليهود والفلسطينيون بل واليونانيون سكان قبرص، وحكم دولته حكما صالحا، وناصر الفنون والآداب، والصناعة والتجارة، ومات في واقعة نال فيها النصر على أعدائه، ورد فيها عن أشور غارات الجحافل الكمرية المتوحشة التي كانت تتهددها بالغزو.
وقضى ابنه سنحريب على الفتن التي ثار عجاجها في الولايات المجاورة في الخليج الفارسي، وهاجم أورشليم ومصر دون أن يلقى نجاحا (١)، ونهب تسعا وثمانين مدينة، وثمانمائة وعشرين قرية، وغَنِمَ سبعة آلاف ومائتي جواد، وأحد عشر ألف حمار، وثمانين ألف ثور، وثمانمائة ألف رأس من الغنم، ومائتين وثمانية آلاف من الأسرى (١٣). وهي أرقام لم يستخف بها الكاتب الرسمي الذي كتب سيرته. ثم غضب على بابل لنزعتها إلى الحرية فحاصرها، واستولى عليها، وأشعل فيها النار فدمرتها تدميرا، ولم يكد يبقي على أحد من أهلها رجلا كان أو امرأة، صغيرا كان أو كبيرا، بل قتلهم عن آخرهم تقريبا، حتى سدت جثثهم مسالك المدينة، ونهبت المعابد حتى لم يبق فيها شاقل واحد، وحطمت إلهة بابل صاحبة السلطان الأعظم القديم، وسيقت أسيرة ذليلة إلى نينوى. وأصبح مردك الإله
(١) وتعزو الرواية المصرية نجاة مصر إلى فعل جماعة من جرذان الحقول الفطنة قرضت كنائن الجيوش الآشورية المعسكرة أمام لوزيوم؛ وأوتار قسيسيهم، وأربطة دروعهم، فاستطاع المصريون بذلك أن يهزموا الآشوريين في اليوم الثاني دون عناء كبير.