وسلام، وبما ساد مدنها من نظام. والحق أن هذا التباهي لم يكن على غير أساس. على أن هذا الملك لم يكن مجرد ملك فاتح أسكره سفك الدماء، وشاهد ذلك ما شاده من المباني وما بذله في تشجيع الفنون والآداب. فقد بعث الملك إلى جميع أنحاء دولته يدعوا المثالين والمهندسين ليضعوا له رسوم الهياكل والقصور ويزينوها كما فعل بعض الحكام الرومان بعد أن استولت روما على بلاد اليونان. وأمر عددا كبيرا من الكتبة أن يجمعوا وينسخوا كل ما خلفه السومريون والبابليون من آداب، ووضع ما نسخوه وما جمعوه كله في مكتبته العظيمة في نينوى، وهناك وجدها علماء هذه الأيام سليمة أو تكاد بعد أن مرت عليها خمسة وعشرين قرنا من الزمان.
وكان مثل فردرك الأكبر يفخر بملكاته الأدبية كما يفخر بانتصاراته في الحرب والصيد (١٨). ويصفه ديودور الصقلي بأنه طاغية فاسق خنثى (١٩)، ولكننا لا نجد في جميع الوثائق التي وصلت إلينا على كثرتها ما يؤيد هذا القول. وكان أشور بانيبال إذا فرغ من تأليف ألواحه الأدبية خرج إلى الصيد في اطمئنان الملوك وثقتهم بأنفسهم وليس معهم من السلاح إلا سكين وحربة، فقابل الآساد وجها لوجه. وإذا جاز لنا أن نصدق ما كتبه عنه معاصروه فإنه لم يكن يتردد قط في أن يتولى قيادة الهجوم عليها بنفسه، وكثيرا ما سدد الضربة القاضية بيده (٢٠). فلا عجب والحالة هذه إذا افتتن به الشاعر بيرن Byron ونسج حول اسمه مسرحية نصفها أسطوري والنصف تاريخي، صور فيها ما بلغته أشور في أيامه من الثروة والمجد، وما داهمها بعدئذ من خراب شامل، وما حل بمليكها من قنوط.