للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القرن التاسع بحركة كادت تقضي على الخلافة العباسية.

ولما مات عبد الله القداح في عام ٨٧٤ تولى زعامة الإسماعيلية فلاح عراقي اشتهر باسم حمدان قرمط، وبعث فيها من النشاط ما جعل الناس في آسية يسمون أتباعها في وقت من الأوقات بالقرامطة نسبة إليه. وكان يرمي إلى القضاء على قوة العرب، وإعادة الدولة الفارسية؛ وضم إليه خفية آلافاً من المؤيدين، والأعوان، وفرض عليهم أن يخرجوا من خمس أملاكهم ليصبح ملكاً عاماً للجماعة. ودخل للمرة الثانية عنصر من عناصر الثورة الاجتماعية في تلك الحركة التي كانت في ظاهر أمرها نوعاً من الصوفية الدينية. فكان القرامطة يقولون بشيوعية الملك والنساء (٩٤)، وقد نظموا العمال في طوائف للحرف، ونادوا بالمساواة بين كافة الناس، وأخذوا يفسرون القرآن تفسيراً مجازياً لا يتقيدون فيه بأقوال أهل السنة. وكانوا يتحللون من الشعائر الدينية ومن الصيام، ويسخرون من البلهاء الذين يعبدون الأضرحة والحجارة (٩٥). وبلغ من أمرهم أن أقاموا في عام ٨٩٩ دولة مستقلة على الشاطئ الغربي للخليج الفارسي، وهزموا جيش الخليفة في عام ٩٠٠، وأفنوه عن آخره، ولم ينج من القتل جندي واحد. وفي عام ٩٠٢ اجتاحوا بلاد الشام ووصلوا إلى أبواب دمشق، وفي عام ٩٢٤ نهبوا البصرة ثم الكوفة؛ وفي عام ٩٣٠ نهبوا مكة نفسها، وقتلوا ثلاثين ألفاً من المسلمين، وعادوا بكثير من الغنائم، منها كسوة الكعبة، والحجر الأسود (١). غير أن هذا الغلو وهذه الانتصارات استنفذت قوة تلك الحركة؛ واتحد الناس لمقاومة دعوتها التي كانت تهدد الملك والنظام العام؛ ولكن مبادئها وأساليبها العنيفة انتقلت في القرن التالي إلى إسماعيلية ألموَت (٢)، وهم المعروفون بالحشاشين.


(١) وأعيد الحجر إلى الكعبة في عام ٩٥١ بأمر الخليفة الفاطمي المنصور.
(٢) ويسمى أيضاً عش النسر. (المترجم).