للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في شيراز كان يحتوي على ثلاثمائة وستين حجرة واحدة منها كل يوم من أيام السنة، وقد طليت كل حجرة بطلاء مكون من مجموعة فذة من الألوان، وخصصت منها واحدة للمكتبة، وكانت حجرة رحبة يبلغ ارتفاعها طابقين، ذات بواك وعقود، ويقول عنها أحد مؤرخي الإسلام المتحمسين إنه لم يكن ثمة كتاب في أي موضوع من الموضوعات لا تحتوي المكتبة نسخة منه (١٢٤). ولسنا نشك في أن للخيال أكبر نصيب فيما وصفت به شهرزاد مدينة بغداد، ولكنه وصف يصور ما كانت عليه فخامة النقوش في داخل القصور أصدق تصوير (١٢٥). وكان لأغنياء المسلمين بيوت في الريف وقصور في المدن. وكانت لهم في المدن نفسها حدائق كبرى، أما بيوتهم في الريف فكانت حدائقها "جنات" حقة-فيها بساتين ذات عيون، وجداول، وفساق، وبرك مبطنة بالقرميد، وأزهار نادرة، وظلال، وأشجار فاكهة ونُفل، وكانت تحتوي عادة على سرادق يستمتع فيه أهل القصر بالهواء الطلق، دون أن يضايقهم وهج الشمس. وكان الدين في فارس دين أزهار؛ فقد كانت تحتفل بأعياد الورد احتفالات تحوي جميع مظاهر الأبهة والفخامة، وطبقت شهرة ورد شيرزاد وفيروز آباد جميع أنحاء العالم، وكانت الورود ذوات المائة من الأوراق من الهدايا التي يحمدها لمهديها الخلفاء والملوك (١٢٦).

وكانت بيوت الفقراء وقتئذ، كما هي الآن، أبنية مستطيلة الشكل؛ مقامة من اللبن الملتصق بالطين، سقفها خليط من الطين، وأعواد النبات، وغصون الأشجار، وجريد النخل، والقش. وكانت البيوت الأرقى من هذه نوعاً تشتمل على فناء داخلي مكشوف، ذي فسقية، وشجرة في بعض الأحيان؛ وكانت تحتوي أحياناً على طائفة من العمد الخشبية، ورواق مسقوف بين الفناء والحجرات. وقلما كانت البيوت تبنى على الشارع أو تطل عليه، لأنها كانت حصوناً للعزلة، تقام للأمن والسلام؛ وكان لبعضها أبواب سرية، يهرب منها سكانها من فورهم إذا هوجموا أو أريد اعتقالهم، أو يدخل منها الحبيب سراً (١٢٧).