للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتونس، وصقلية، ومراكش، والأندلس-أقامت في هذه البلاد كلها عدداً لا يحصى من المساجد جمعت بين القوة والمتانة في خارجها، والرشاقة والرقة في داخلها، نذكر منها مساجد المدينة، ومكة، وبيت المقدس، والرملة ودمشق، والكوفة والبصرة، وشيراز ونيسابور، وأردبيل، ومسجد جعفر في بغداد، ومسجد سر من رأى العظيم، ومسجد زكريا في حلب، ومسجد ابن طولون والجامع الأزهر في القاهرة، ومسجد تونس الكبير، ومجلس سيدي عقبة في القيروان، والمسجد الأزرق في قرطبة-وليس في مقدورنا إلا أن نكتفي بذكر أسمائها لأن مئات المساجد التي بنيت في ذلك الوقت لم يبقَ منها ما يمكن تمييزه إلا عشرة أو نحوها، أما سائرها فقد عدا عليه الزمان فدمره بفعل الزلازل أو الإهمال أو الحروب.

وقد كشف في العصر الحديث في بلاد الفرس وحدها-وهي جزء صغير من بلاد الإسلام-عن صروح فخمة لم يكن يدور بخلدنا أنها توجد في تلك البلاد؛ وكان كشف آثارها من الحادثات الكبرى في إزاحة الستار عن الماضي المجهول (١) وإن كان هذا الكشف قد جاء بعد أوانه بزمن طويل؛ لأن كثيراً من روائع العمارة الفارسية قد عبثت به قبل ذلك الكشف يد الزمان فلم تبقِ منه شيئاً. وحسبنا أن نذكر في هذا المقام أن المقدسي يصف في فارس مساجد لا تقل روعة عن مساجد المدينة ودمشق ويقول إن مسجد نيسابور ذا العمد الرخامية. والصفائح الذهبية، والجدران ذات النقوش المحفورة الكثيرة كان من عجائب الزمان؛ وإنه لم يكن في خرسان أو سجستان من المساجد ما يضارع في جماله مسجد هيراة (١٣٢). وفي وسعنا أن نصور لأنفسنا صورة غامضة مما بلغته


(١) في عام ١٩٢٥ صرح رضا خان، الذي جلس بعدئذ على عرش فارس، إلى آرثر أبهام بوب Arthur Upham Pope بدخول مساجد بلاد الفرس وكان محرماً على غير المسلمين من قبل أن يدخلوها، لكي يصورها من الداخل. وكان هذا حادثاً عظيماً كشف للعالم عن بدائع الفن الفارسي وروعته.