الفن هي التقاليد المصرية، والإغريقية-الرومانية، والعراقية، والفارسية، والصينية. ونقول الصينية لأن سار Sarre، كشف في سر من رأى فخاراً من عهد أسرة تانج ومعه قطعة من الخزف الصيني الرقيق؛ وكانت الأواني الفارسية-الإسلامية في عهدها الأول منقولة نقلاً لا خفاء فيه عن نماذج صينية. ونشأت مراكز صناعة الفخار في بغداد وسامرا (١)، والري، وكثير غيرها من البلدان. ولم يحل القرن العاشر الميلادي حتى كان صانعوا الفخار من الفرس يصنعون كل أنواع الآنية الفخارية ما عدا الخزف الصيني، ويصنعونه في الشكل لا حصر لها تبدأ من المباصق اليدوية الصغيرة إلى المزهريات الضخمة المهولة، التي تتسع في القليل لأحد "اللصوص الأربعين"(١٣٦) ويتبين الإنسان من خير المصنوعات الفخارية الفارسية دقة التصوير، وبراعة في التلوين، وحذقاً في الصناعة لا تسمو عليها إلا الصناعتان الصينية واليابانية؛ وظلت ستة قرون لا تضارعها صناعة أخرى في جميع الأقاليم الممتدة جنوب هضبة البامير وغربها (١٣٧). وكان هذا الفن من أحب الفنون إلى الفرس وأكثرها مواءمة لهم؛ وكان أهل الطبقة العليا منهم يحرصون أشد الحرص على جميع روائعه، وكثيراً ما أخذ عنه الشعراء أمثال أبي العلاء المعري وعمر الخيام تشبيهات واستعارات في أقوالهم الفلسفية. ويحدثنا الكتاب عن مأدبة أقيمت في القرن التاسع ارتجلت فيها قصائد، وأهديت إلى الآنية التي كانت تزدان بها المائدة (١٣٨).
وقد امتاز صانعوا الفخار في سامرا وبغداد في ذلك القرن بصنع الفخار اللامع أو لعلهم هم ابتدعوه ابتداعاً. وكانت النقوش التي تحليه ترسم بأكسيد معدني على طبقة من الطين المزجج، ثم يعرض الإناء بعدئذ إلى نار ثانية مدخنة مكتومة تحول الصبغة إلى طبقة معدنية رقيقة، وتكسب الطلاء بريقاً متعدد