تبلغ درجة التعصب؛ ذلك أن أبا عبد الله قام في بلاد تونس عام ٩٠٥ وأخذ يدعو إلى المذهب الشيعي وإلى عقيدة الأئمة السبعة، ويبشر بقرب ظهور المهدي؛ وقد بلغ من قوة أتباعه البربر أن استطاع إزالة حكم الأغالبة من القيروان. وكان قد أعد العدة لتحقيق ما أثاره في أتباعهِ من آمال مرتقبة فاستدعى من بلاد العرب عبيد الله بن محمد، وزعم أنه حفيد عبد الله إمام الإسماعيلية، وأعلن أنه المهدي المنتظر، ونادى به ملكاً (٩٠٩)، وما لبث هذا الداعية أن قُتِل بأمر مليكه. وقال عبيد الله إن نسبه يمتد إلى السيدة فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وسلم) وسمى أسرته بالأسرة الفاطمية نسبة لها.
واستعاد شمال إفريقية تحت حكم الأغالبة والفاطميين ما عرفه من رخاء في أيام مجد قرطاجنة تحت حكم الرومان. ذلك أن الفاتحين المسلمين في عنفوان شبابهم في القرن التاسع أنشئوا ثلاث طرق كبرى يتراوح طولها بين ١٥٠٠ و ٢٠٠٠ ميل تخترق الصحراء الكبرى إلى بحيرة شاد وتمبكتو، كما أنشئوا من الثغور في الشمال والغرب بونة، ووهران، وسبتة، وطنجة؛ وقامت تجارة عظيمة مربحة ربطت بلاد السودان بالبحر المتوسط، وبلاد الإسلام الشرقية بمراكش والأندلس، ونقل المهاجرون الأسبان إلى مراكش الصناعات الجلدية؛ وأضحت مدينة فاس مركزاً لتبادل التجارة مع أسبانيا، واشتهرت بأصباغها وعطروها، وطرابيشها الحمر والمغربية.
وانتزع الفاطميون في عام ٩٦٩ مصر من بني الإخشيد، وما لبثوا أن بسطوا حكمهم على بلاد العرب والشام. ونقل المعز الخليفة الفاطمي عاصمة ملكه إلى القاهرة؛ وكانت امتداداً للقطائع في جهة الشمال الشرقي كما كانت القطائع نفسها امتداداً للفسطاط في هذا الاتجاه. وحذا المعز حذو أسلافه فشرع بغزو البلاد ويفتح الأمصار. وفي عهد المعز (٩٤٣ - ٩٧٥) وابنه العزيز (٩٧٥ - ٩٩٦) أعاد يعقوب بن كلس-وهو يهودي من بغداد اعتنق الإسلام- تنظيم الإدارة