للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قرطبة واستخدم في توسيعه أسرى مسيحيين، واشترك هو بنفسه في أعمال البناء بفأسهِ، ومجرفهِ، ومِسّجَّتهِ (١)، ومنشارهِ. وأدرك أن الحاكم الذي ينتصر في الحروب، عادلة كانت أو ظالمة، يعلو شأنه بين معاصريه وبين الأجيال المستقبلة، ولهذا شن الحرب من جديد على ليون، واستولى على عاصمتها ودمرها وذبح أهلها. وكان في ربيع كل عام تقريباً يسير على رأس حملة جديدة لمحاربة الأقاليم الشمالية المسيحية؛ وقد عاد من هذه الحملات جميعها بلا استثناء مكللاً بالنصر. من ذلك أنه لما استولى في عام ٩٩٧ على مدينة سنتياجو ده كمبسستيلا Santiago de Compstela، ودمر ضريح القديس جيمس الشهير، أرغم الأسرى المسيحيين على أن يحملوا أبواب الكنسية وأجراسها على أكتافهم في موكب نصره حتى دخل قرطبة (٣٤). (وقد أعيدت هذه الأجراس مرة أخرى إلى كمبسستيلا محمولة على ظهر أسرى الحرب المسلمين).

ولم يقنع المنصور بما كان له في بلاد الأندلس الإسلامية من مقام، وإن كان في الواقع سيدها بلا منازع، بل كان يتوق إلى أن يكون سيدها اسماً وفعلاً، وأن يؤسس فيها أسرة مالكة. ففي عام ٩٩١ تخلى عن منصبه لابنه عبد الملك، ولم يكن يتجاوز الثامنة عشرة من عمرهِ، وأضاف إلى ألقابه الأخرى لقبي السيد والملك الكريم وحكم البلاد حكماً مطلقاً. وكان يرغب في أن يموت في ميدان القتال، ويعد العدة بالفعل لهذه الخاتمة، فكان إذا خرج لحرب من الحروب أخذ معه كفنه. وقد غزا قشتالة في عام ١٠٠٢ وهو وقتئذ في الحادية والستين من عمرهِ، واستولى على مدنها، ودمر أديرتها، وخرب حقولها، ثم مرض في طريق العودة إلى بلادهِ، ولكنه لم يسمح للأطباء أن يعنوا بهِ، واستدعى إليه ابنه


(١) المسجة: خشبة يطين بها. (المترجم)