والزرادشتية، والمسيحية، والفرق الإسلامية المختلفة من أقدم ما كتبه الأقدمون في علم الأديان المقارن. وإذا شئنا أن نعرف رأي العالم المسلم فيما كانت عليه المسيحية في العصور الوسطى فحسبنا أن نقرأ الفقرة الآتية من هذا الكتاب:
يجب أن لا تثير أوهام بني الإنسان عجباً، فإن أكثر الأمم عدداً، وأعظمها حضارة تستحوذ على عقول أبنائها هذه الأوهام … فالمسيحيون من الكثرة بحيث لا يحصي عددهم إلا الله وحده. وبوسعهم أن يباهوا بمن فيهم من ملوك حكماء وفلاسفة نابهين، ولكنهم مع هذا يقولون. إن الواحد ثلاثة والثلاثة واحد، وأن أحد هؤلاء الثلاثة الأب والثاني الابن، وإن الإنسان إله وليس إلهاً، وإن المسيح قديم وجود من الأزل، ومع ذلك فهو مخلوق، ومنهم فرقة تسمى اليعاقبة، تبلغ عدتها مئات الآلاف تعتقد أن الخالق مات وصلب وقتل، وأن العالم بقي ثلاثة أيام بلا مدبر، والفلك بلا مدبر (٧٢).
وكان ابن زم يؤمن بأن كل كلمة وردت في القرآن حق بنصها ومعناها (٧٣).
وكان من أشد العوائق في سبيل تقدم العلم والفلسفة في بلاد الأندلس الخوف من أن يؤثرا في إيمان العامة، ولكن الأندلس تستطيع أن تفخر بكثير من الفلاسفة والعلماء. فمن هؤلاء مسلمة بن أحمد (المتوفى في عام ١٠٠٧) والذي عدل أزياج الخوارزمي الفلكية لتلائم أسبانيا، ومن الكتب التي تعزى إليه، وإن لم يثبت أنه له بصورة قاطعة، كتاب يصف إحدى التجارب الكثيرة التي حولت الكيمياء الكاذبة إلى كيمياء صحيحة-وهي التجربة التي استخرجت أكسيد الزئبق من الزئبق. وأصبح اسم إبراهيم الزرقالي (١٠٢٩ - ١٠٨٧) أحد علماء طليطلة من الأسماء العالمية، لأنه حسن الآلات الفلكية؛ وينقل كوبرنيق فقرات من رسالته عن الاسطرلاب، وكانت أزياجه الفلكية خير الأزياج كلها في زمانه، وقد استطاع بها أن يثبت لأول مرة في التاريخ حركة الأوج الشمسي بالنسبة للنجوم. وكانت "أزياج طليطلة" المحددة لحركات الكواكب