وارتقوا بها، ونقلوا هذا التراث اليوناني بعد أن أضافوا إليه من عندهم ثروة عظيمة جديدة إلى أوربا. ولا تزال المصطلحات العلمية العربية تملأ اللغات الأوربية، ونذكر منها على سبيل المثال Algebra الجبر، Zero و Cipher للصفر، Azimuth السُّمُوت و Alembic للأنبيق، و Zenith للسمت، و Almanac للتقويم وهي مشتقة من لفظ المناخ. وظل أطباء العرب يحملون لواء الطب في العالم خمسمائة عام كاملة، وفلاسفة العرب عم الذين احتفظوا لأوربا بمؤلفات أرسطو وشوهوا لها هذه المؤلفات. وكان ابن سينا وابن رشد نجمين لاحا من الشرق للفلاسفة المدرسيين الذين كانوا ينقلون عنهما، ويعتمدون على كتبهما، ويثقون بهما ثقة لا تزيد عليها إلا ثقتهم بالنصوص اليونانية.
والقباب المضلعة أقدم في بلاد المسلمين منها في أوربا (١٢١)، وإن لم يكن في مقدورنا أن نتتبع الطريق الذي وصلت منه إلى الفن القوطي؛ وأبراج الكنائس المسيحية المستدقة؛ وأبراج نواقيسها مدينة بالشيء الكثير إلى مآذن المساجد (١٢٢)، ولعل زخارف النوافذ القوطية المقطعة المصنوعة من الحجارة قد أوحت بها بوائك برج الخرلدة ذات الأقواس المقترنة (١٢٣). ويعزى انتعاش فن الخزف الرفيع في إيطاليا وفرنسا إلى انتقال صناع الخزف المسلمين في القرن الثاني عشر إلى هذين البلدين، وإلى زيادة صناعة الإيطاليين إلى بلاد الأندلس الإسلامية (١٢٤). ولقد أخذ صناع الحديد والزجاج في البندقية، ومجلدو الكتب في إيطاليا، وصانعوا الدروع والسلاح في أسبانيا، أخذ كل هؤلاء فنونهم عن الصناع المسلمين (١٢٥)، وكان النساجون في جميع أنحاء أوربا تقريباً يتطلعون إلى بلاد الإسلام ليأخذوا منها النماذج والرسوم، وحتى الحدائق نفسها قد تأثرت إلى حد بعيد بالحدائق الفارسية.
وسنشرح فيما بعد بالتفصيل السبل التي جاء منها هذا التأثير الإسلامي إلى بلاد الغرب، غير أننا نقول هنا بإيجاز إنه قد جاء عن طريق التجارة، والحروب