شعب غير هذا الشعب المتكبر، السريع التأثر، أن يظهر من الوداعة والصبر ما تتطلبه إطاعته والعمل بها. لقد كانت المسيحية تنشد الوحدة عن طريق توحيد العقيدة، أما اليهودية فكانت تنشدها عن طريق توحيد الشعائر. وفي ذلك يقول أبا أريكا:"إن الشرائع لم توضع إلا لكي تؤدب الناس وترقق طباعهم بالعمل بها"(٤١).
ولقد كانت الشعائر أولاً وقبل كل شيء هي قانون العبادة. ولما أن حلت المعبد اليهودية محل الهيكل استبدلت بالأضاحي الحيوانية القرابين والصلوات، ولكنهم لم يكونوا يجيزون وضع صورة لله أو للآدميين في المعابد كما لم يكونوا يجيزون وضعها في الهيكل. ذلك أنهم كانوا يتجنبون كل ما يشتم منه عبادة الأوثان، وكذلك كانت الموسيقى الآلية المباحة في الهيكل محرمة من المعابد. وفي هذا تختلف المسيحية عن اليهودية وتتفق مع الإسلام، فقد تكشف الدينان الساميان عن تقوى قائمة وتكشفت المسيحية عن فن مقبض قاتم كذلك.
وكانت الصلاة تجربة دينية يمارسها اليهودي المتدين كل يوم، بل يكاد يمارسها في كل ساعة. وكانت صلوات الصباح تتلى من قلقطيرات (علب صغيرة محتوية على فقرات من الكتاب المقدس) مثبتة على الجباه والأذرع ولم يكونوا يطعمون طعاماً دون أن يتلو دعاء قصيراً قبله وصلاة الشكر طويلة في نهايته. على أنهم لم يكونوا يكتفون بهذه الصلوات المنزلية، ذلك أن الناس لا يرتبطون ويتماسكون إلا إذا اشتركوا معاً في القيام بأعمال واحدة، وكان أحبار اليهود يحاجون بما عرف عن الشرقيين من مبالغة أن "الله لا يستجيب لصلاة الإنسان إلا إذا قام بها في الكنيس"(٤٢). وكان أهم ما تشتمل عليه الطقوس الدينية العامة هو "الشمونة عسراً"، "والشمع يسرائيل، وتلاوة من أسفار موسى الخمسة، ومن سفر الأنبياء، ومزامير داود، وعظة تشتمل على تفسير فقرات من الكتاب