للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأخلاقي شديد الاختلاف عن القانون الأخلاقي المسيحي وعظيم لشبه بالقانون الإسلامي، حتى لتكفي نظرة خاطئة إليه لدحض الرأي السائد في العصور الوسطى القائل بأنه ليس إلا قصة المسيحية في تلك العصور. إن الأديان الثلاثة الكبرى متفقة في أن المبادئ الأخلاقية الفطرية-غير الدينية-تصلح لأن تكون قواعد عملية للإنسانية؛ وترى أن الكثرة الغالبة من الناس لا يمكن أن تحمل على المسلك الحسن والخلق القويم إلا عن طريق خوف الله. ولهذا أقامت الأديان الثلاثة قانونها الأخلاقي على مبادئ رئيسية واحدة: أن الله عيناً تبصر كل شيء، وأن القانون الأخلاقي منزل من عند الله، وأن الفضيلة تتفق في آخر الأمر مع السعادة بما يناله المحسن بعد الموت من الثواب والمسيء من العقاب. ولم يكن من المستطاع في الدينين الساميين فصل القوانين الثقافية والأخلاقية من الدين. فلم تكن هذه القوانين تجير التفرقة بين الجريمة والخطيئة، أو بين الشر والشريعة الكنسية، بل إن من مبادئها المقررة أن كل فعل ذميم. يعد إساءة إلى الله وانتهاكاً لحرماته ولاسمه جل جلاله.

وتتفق الأديان الثلاثة فضلاً عن هذا في بعض قواعد الأخلاق: تتفق في حرمة الأسرة والمسكن، وفيما يحب للآباء وكبار السن من تكريم وإجلال وفي حب الأبناء ورعايتهم، وفي مل الخير لجميع الناس. وليس ثمة شعب أكثر من اليهود حرصاً على تجميل الحياة العائلية، ولقد كان عدم الزواج عن قصد من الآثام الكبرى في اليهودية كما هو في الإسلام (٦٨)؛ وكان إنشاء البيت وتكوين الأسرة من الأمور الشرعية التي يحتمها الدين (٦٩)، وتنص عليه القاعدة الأولى من قواعد الشريعة البالغ عددها ٦١٣ قاعدة، وفي ذلك يقول أحد المعلمين اليهود (٧٠) "إن من لا ولد له يعد من الأموات"، ويتفق اليهودي، والمسيحي، والمسلم في أن البشرية تصبح مهددة بالزوال إذا ما فقدت قوتها أوامر الدين التي تقضي بوجوب إنجاب الأبناء. على أن أحبار اليهود أباحوا تحديد عدد أفراد الأسرة في