أن تحاكم من يعتدون على القانون اليهودي من اليهود أنفسهم، وكان لها موظفون ينفذون أوامرها، وكانت العقوبات التي توقعها تختلف من الغرامات إلى الحرمان الديني أو التقي، وقلّما كان الحكم بالإعدام من اختصاص بيت الدين أو كان من العقوبات التي توقعها، وكانت المحكمة اليهودية تستعيض عن هذا الإعدام بالحرمان التام؛ يصدر في احتفال فخم مرعب توجه فيه التهم، وتصب فيه اللعنات، وتطفأ فيه الشموع واحدة بعد واحدة رمزاً إلى موت المجرم الروحي. وكان اليهود يسرفون في استخدام الحرمان، كما كان يفرط فيه المسيحيون، ولهذا فقدت هذه العقوبة ما كان لها من رهبة وتأثير. وكان رؤساء اليهود الدينيون-كما كان رؤساء الكنيسة المسيحيون-يضطهدون الملاحدة، ويحرمونهم من حماية القانون، ويحرقون كتبهم في حالات نادرة (٣٥).
ولم تكن الجماعات اليهودية في الأحوال العادية خاضعة للسلطات المحلية وكان سيدها الوحيد هو الملك، تؤدي إليه الماء بسخاء لتبتاع منه الميثاق الذي يحمي حقوقها الدينية والاقتصادية؛ وكان فيما بعد تؤدي المال إلى الحكومات المحلية المحررة لتؤيد استقلال اليهود الذاتي بشئونهم الداخلية. إلا أن اليهود مع ذلك، كانوا يخضعون لقوانين الدولة، وجعلوا طاعة هذه القوانين مبدأ من مبادئهم الواجبة الطاعة، وقد ورد في التلمود أن "قانون البلد شريعة"(٣٦)، وتقول إحدى فقراته:"صلوا لسلامة الحكومة، فلولا خوف الناس منها لابتلع بعضهم بعضاً"(٣٧).
وكانت الدولة تجبي من اليهود "الفرضة" أو ضريبة الرءوس، وعوائد الأملاك، وكانت تصل أحياناً إلى ٣٣% من قيمتها، وضرائب على اللحم، والخمور، والحلي، والواردات، والصادرات، فضلاً عن التبرعات "الاختيارية" للمساعدة على تمويل الحروب، أو تتويج الملوك، أو "مقدمهم" أو رحلاتهم. وكان اليهود الإنجليز البالغ عددهم في القرن الثاني عشر ١ slash ٤ % في المائة من السكان