وبرر ابن ميمون تظاهره بالإسلام بين اليهود المهددين بالخطر في مراكش بقوله إنهم لم يكن يطلب إليهم أن يؤدوا شعائر هذا الدين أداءً عملياً بل كل ما كان يطلب إليهم أن يتلوا صيغة لا يؤمنون بها، وإن المسلمين أنفسهم يعرفون أنهم غير مخلصين في النطق بها وإنما يفعلون ذلك ليخادعوا جماعة من المتعصبين (٣٧). لكن كبير أحبار اليهود في فاس لم يوافقه على هذا القول، وكان جزاؤه أن قتل في ١١٦٥. وخشي ابن ميمون أن يلقى هذا المصير نفسه فسافر إلى فلسطين، ثم انتقل منها إلى الإسكندرية (١١٦٥) ومصر القديمة حيث عاش حتى وافته منيته. وسرعان ما عرف المصريون أنه من أعظم أطباء زمانه، فاختير طبيباً خاصاً لنور الدين على أكبر أبناء صلاح الدين، وللقاضي الفاضل البيساني وزير صلاح الدين. واستخدم ابن ميمون نفوذه في بلاط السلطان لحماية يهود مصر، ولما فتح صلاح الدين فلسطين أقنعه ابن ميمون بأن يسمح لليهود بالإقامة فيها من جديد (٣٨). وفي عام ١١٧٧ عين ابن ميمون نجيداً أو زعيماً لليهود في القاهرة، ثم أفهمه أحد الفقهاء المسلمين (١١٨٧) بأنه مرتد عن الإسلام وطالب بأن توقع عليه عقوبة القتل التي هي جزاء المرتدين. ولكن الوزير أنقذ ابن ميمون إذ قال إن الرجل لذي أرغم على اعتناق الإسلام لا يمكن أن يعد مسلماً بحق (٣٩).
وفي سني العمل المتواصل التي أقامها بالقاهرة ألف معظم كتبه. ومن هذه المؤلفات عشرة كتب في الطب باللغة العربية نقل فيها آراء أبقراط، وجالينوس، وديسقوريدس، والرازي وابن سينا. وقد اختصر في كتاب الأمثال الطبية كتاب جالينوس إلى ألف وخمسمائة عبارة قصيرة تشمل كل فرع من فروع الطب، وترجم هذا الكتاب إلى اللغتين العبرية واللاتينية، وكثيراً ما كان ينقل عنه في أوربا ويصدر ما ينقل بتلك العبارة:"قال الحبر موسى". ووضع مقالة في تدبير الصحة للملك الأفضل على بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب؛ ومقالة أخرى في الجماع لسلطان حماة الملك المظفر تقي الدين أبي سعيد عمر