العالم. وكانت نظرية فيلون القائلة بأن الحكمة الإلهية هي أداة الله الخالقة للكون مثلاً سامياً لهذه الأفكار الفلسفية. وكان للإسينيين كتابات سرية، يحرصون على كتمانها عن سواهم، وكانت الكتب العبرانية غير المعترف بصحتها ككتاب الأعياد تنشر بين الناس أقوالاً خفية عن خلق العالم. وجعلت أسماء يهوه التي لا يصح النطق بها ذات قوى خفية، وكانت حروفه الأربعة-التترجرام-تهمس في الآذان على أن لها معنى خفياً، وتأثيراً معجزاً، لا تنقل إلا العقلاء ذوي الأفهام الناضجة. وكان عقيبا يقول إن أداة الله في خلق العالم هي التوراة أو أسفار موسى الخمسة، وإن لكل كلمة ولكل حرف من هذه الأسفار المقدسة معنى خفياً وقوة خفية. وكان بعض الجأونيم البابليين يعزون إلى الحروف العبرية وإلى أسماء الملائكة أمثال هذه القوى الخفية، فمن عرف هذه الأسماء استطاع أن يسيطر على جميع قوى الطبيعة. وكان العلماء يعبثون بضروب السحر الأسود والأبيض-أي القوى العجيبة التي يحصل عليها بعض الناس عن طريق اتصال الروح بالملائكة أو الشياطين. وكان لاستحضار الأرواح ومعرفة الحظ بفتح الكتاب المقدس والتعاويذ، والتمائم، والرقي، ومعرفة الغيب، والقرعة، كان لهذه كلها شأنها في الحياة المسيحية. وقد شملت كتب اليهود جميع عجائب التنجيم؛ فكانت النجوم في هذه الكتب حروفاً هجائية وكتابات في السماء خفية لا يستطيع قراءتها إلا المطلعون على أسرارها (٨١).
وظهر فيوقت ما في القرن الأول بعد الميلاد كتاب من هذه الكتب ذات الأسرار الخفية في بابل يعرف باسم سِفر يصيرا أي كتاب الخلق. وكان الأتقياء المتصوفة من اليهود ومنهم يهودا هليفي يقولون إن واضعه هو إبراهيم أو الله نفسه. ومما جاء فيه أن عملية الخلق قد تمت بوساطة عشرة سفروتات Sefiroth- أعداد أو أصول هي: روح الله، وفيوض ثلاث منها: الهواء، والماء، والنار،