لا تدرك من الفوارق بين الرئيس وتابعيه إلا قدراً ضئيلاً" (٤٥). وبالتدريج ازدادت الآلات والصناعات تعقداً، فعمل ذلك على إخضاع الضعيف العاجز إلى مشيئة القوي الماهر، وكان كلما ظهر اختراع جديد، أصبح سلاحاً جديداً في أيدي الأقوياء، فزاد من سلطانهم على الضعفاء واستغلالهم لهم (١) ثم عمل نظام التوريث على اتساع الهوة بأن أضاف إلى الامتياز في الفُرَص السانحة امتيازاً في الأملاك، فقسمت المجتمعات التي كانت يوماً متجانسة إلى عدد لا يحصيه النظر من طبقات وأوساط؛ وأحس الأغنياء والفقراء بغناهم أو فقرهم إحساساً يؤدي إلى التشاحن، وأخذت حرب الطبقات تسري خلال عصور التاريخ كأنها خيط أحمر، فاقتضى هذا النزاع بين الطبقات قيام الدولة التي لم يعد عن قيامها محيص لتنظيم تلك الطبقات ولحماية الأملاك ولشن الحروب ولتنظيم السلام.
(١) وكذلك في عصرنا أدى سيل الاختراعات الذي نسميه بالثورة الصناعية إلى توسيع التفاوت الطبيعي بين الناس.