الإسكندرية ما يظن أنه مخلفات القديس مرقس. واتخذت البندقية ذلك القديس شفيعاً لها وحاميها ونهبت نصف العالم لتواري عظامه. وبدئ بإنشاء كنيسة القديس مرقص الأولى في عام ٨٣٠ ثم دمرتها النار في عام ٩٧٦ تدميراً رأى معه أرسيولو Orseolo الثاني أن يبدأ كنيسة جديدة أوسع منها رقعة. واستدعى لهذا الغرض فنانين من بيزنطية أقاموها على نمط كنيسة الرسول المقدس في القسطنطينية- ذات سبع قباب فوق بناء صليبي. وظل العمل فيها جارياً نحو قرن من الزمان؛ وتم البناء الرئيسي بشكله الحاضر تقريباً في عام ١٠٧١، ودشن في عام ١٠٩٥. ولما فقدت مخلفات القديس مرقس حين شبت النار في الكنيسة عام ٩٧٦، وهدد فقدها قداستها، اتفق على أن يجمع المصلون في الكنيسة في يوم تدشينها ويدعوا الله أن توجد هذه المخلفات. وتقول إحدى الروايات المأثورة العزيزة على البنادقة الصالحين إن إحدى الأعمدة خر لدعواتهم، وسقط على الأرض، وكشف عن عظام القديس (١٠). وتهدم البناء وأصلح مراراً، وقلما مرت عشر سنين دون أن تشهد فيه تغييراً أو تحسيناً. وليست كنيسة القديس بطرس التي نعرفها الآن بنت تاريخ واحد أو عصر واحد، بل إنها سجل من الحجارة والجواهر لألف عام، فقد أضيفت في القرن الثاني عشر واجهة من الرخام إلى جدرانها المقامة من الآجر، وجيء بأعمدة مختلفة الأنواع من أكثر من عشر مدائن، وقم الفنانون البيزنطيون الذين اتخذوا البندقية وطناً لهم بعمل فسيفساء الكنيسة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وأخذ أربعة جياد برونزية من القسطنطينية حين استولى البنادقة عليها في عام ١٢٠٤، ووضعت فوق البوابة الرئيسية، وأضاف الفنانون القوط في القرن الرابع عشر أبراجاً، وشبابيك مفرغة، وستاراً للضريح المقدس، وغطى مصورو عصر النهضة في القرن السابع عشر ونصف الفسيفساء بصور للجدران غير ذات شأن كبير. واحتفظ البناء العجيب في خلال هذا التغيير كله وهذه القرون الطوال بمميزاته ووحدته-