للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

البحر المتوسط. وفي هذا يقول ابن خلدون إن المسيحيين لم يكن في وسعهم أن يسيروا لوحاً فوق البحر (٢٧)، وكانت العلاقات التجارية بأجمعها بين غربي أوربا وأفريقية وشرقي البحر المتوسط غاية في الاضطراب. وكان اليهود وحدهم هم الذين يربطون النصفين المتعاديين من البلاد التي كانت أيام حكم روما عالماً اقتصادياً موحداً. وبقيت التجارة قائمة في أوربا الخاضعة لحكم الصقالبة وبيزنطية، وفي شمالها التيوتوني. وكذلك كانت القناة الإنجليزية وكان بحر الشمال يموجان بالمتاجر، ولكن هذه التجارة الأخيرة أيضاً اضطربت أحوالها قبل موت شارلمان، وقد أوقعتها في هذا الاضطراب غارات أهل الشمال وقرصنتهم.

وكاد أهل الشمال يغلقون ثغور فرنسا الشمالية، والمسلمون يغلقون ثغورها الجنوبية، حتى أضحت لهذا السبب جزيرة منفصلة عن العالم، وبلداً زراعياً، واضمحلت فيها طبقة التجار الوسطى، فلم تبق هناك طبقة تنافس كبار الملاك في الريف؛ وكان مما ساعد على قيام نظام الإقطاع في فرنسا هبات شارلمان للأراضي وانتصار الإسلام.

وبذل شارلمان جهوداً جبارة لحماية الفلاحين الأحرار من نظام رقيق الأرض الآخذ في الانتشار. ولكن قوة الأشراف والظروف القاهرة المحيطة به أحبطت جهوده. وحتى الاسترقاق نفسه اتسع نطاقه وقتاً ما نتيجة لحروب الكارولنجيين ضد القبائل الوثنية. وكانت أهم موارد الملك مزارعه الخاصة التي كانت مساحتها تتسع من حين إلى حين نتيجة المصادرة، والهبات، وعودة بعض الأراضي إلى الملك ممن يموتون بغير ورثة، واستصلاح الأراضي البور. وقد أصدر للعناية بهذه الأراضي قانوناً زراعياً مفصلاً أعظم تفصيل يشهد بعنايته التامة في بحث جميع موارد الدولة ومصروفاتها. وكانت الغابات والأراضي البور، والطرق العامة، والمواني وجميع ما في الأرض من معادن ملكاً للدولة (٢٨). وشجع ما بقي في البلاد من تجارة بكافة السبل؛ فبسطت الدولة حمايتها على الأسواق، ووُضع