العصور، وعلى فوضى بارونات الإقطاع. وعلى النزاع الذي قام بين الكنيسة والدولة ومزقها شر ممزق، وعلى غارات النورمان، والمجر، والمسلمين التي أدى إليها هذا النزاع الأخرق. لكن رجلاً بمفرده، وحياة بمفردها لم يكفيا لإقامة حضارة جديدة. يضاف إلى هذا أن تلك النهضة القصيرة الأجل كانت نهضة كنسية ضيقة أشد الضيق، فلم يكن للمواطن العادي فيها نصيب، وما أقل من كان يعني بها من النبلاء، وما أقل من كان منهم يشغل نفسه بتعلم القراءة. وما من شك في أن شارل نفسه ملوم إلى حد ما على انهيار دولته. فلقد أفاء على رجال الدين من الثراء ما جعل سلطان الأساقفة، بعد أن رفعت يده القوية عنهم، يرجح سلطان الإمبراطور؛ ولقد اضطرته أسباب حربية وإدارية أن يمنح المحاكم والبارونات في الأقاليم قدراً من الاستقلال شديد الخطورة. ثم إنه جعل مالية الحكومة الإمبراطورية ذات الأعباء الجسام تعتمد على ولاء هؤلاء الأشراف الغلاظ واستقامتهم، وعلى ما تدره أراضيه ومناجمه من إيراد غير كبير، ولم يكن في وسعه أن يعمل ما عمله أباطرة الروم فينشئ بيروقراطية من الموظفين المدنيين مسئولين أمام السلطة المركزية دون غيرها، وقادرين على النهوض بأعباء الحكم مهما تكن شخصية الإمبراطور وأتباعه، فلم يكد يمضي على وفاته جيل واحد حتى أقبل رسل الإمبراطور الذين بسطوا سلطانه في الولايات أو تجاهل الولاة وجودهم، وألقى الأعيان المحليون عن كاهلهم سلطان الحكومة المركزية. وملاك القول أن حكم شارلمان كان عملاً جليلاً من أعمال العباقرة يمثل الرقي السياسي في عصر وفي رقعة من الأرض يعمهما الاضمحلال الاقتصادي.
وإن الألقاب التي أطلقها المعاصرون لخلفائه عليهم لتكفي وحدها لأن تقص علينا قصتهم: لويس التقي Louis the Pious، وشارل الأصلع Charles the Bald، ولويس المتلعثم Louis the Stammerer وشارل البدين