للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويكشف اسمه عن أصله كشفاً مضاعفاً، فهو جوهان اسكوتس إريوجينا Johannes Scotus Eriugina أي جون الأيرلندي المولود في إرين Erin. وسنسميه نحن إرجينا Erigena. وكفى. ويبدو أنه لم يكن من رجال الدين، ولكنه كان رجلاً متبحراً في العلوم، يجيد اللغة اليونانية، مغرماً بأفلاطون والآداب القديمة، حلو الفكاهة إلى حد ما. وتحدثنا إحدى القصص-التي بدو من سياقها كله أنها من مخترعات الأدباء-أن شارل الأصلع، كان يطعم معه في يوم من الأيام فسأله: ما الفارق بين الأبله والأيرلندي quid distat inter sottum et Scottum؟ فأجابه جون-كما تروي القصة-: "المنضدة" (٤٨). ولكن شارل رغم هذا كان يحبه حباً جماً، وكان يشهد محاضراته، وأكبر الظن أنه كان يستظرف إلحاده. ويفسر جون العشاء الرباني في كتابه عن القربان المقدس بأنه عمل رمزي، ويتضمن هذا ارتيابه في وجود المسيح بحق في الخبز والخمر المقدسين. ولما أخذ الراهب الألماني جتسشولك Gottdchalk ينادي بمبدأ الجبرية المطلقة وينكر تبعاً لذلك مبدأ حرية الإرادة في الإنسان. طلب هنكمار كبير الأساقفة إلى إيرجينا أن يرد عليه كتابه. فأجابه هذا إلى ما طلب وكتب رسالته المسماة الجبرية الإلهية De Divina praedestinatione (حوالي عام ٨٥١). وقد بدأها بإطراء الفلسفة إطراءً عظيماً فقال: "من يشأ أن يبحث جاداً عن علل الأشياء جميعها ويحاول كشفها، يجد جميع الوسائل الموصلة إلى العقيدة الصالحة الكاملة في العلم والتدريب اللذين يطلق عليهما اليونان اسم الفلسفة". وينكر الكتاب في واقع الأمر مبدأ الجبرية، ويقول الإرادة حرة عند الله وعند الإنسان، وإن الله لا يعرف الشيء، ولو عرفه لكان هو سببه. وكان رد إرجينا أكثر إلحاداً من أقوال جتسشولك، وأنكره مجلسان من مجالس الكنيسة في عامي ٨٥٥ و ٨٥٩، وأودع جتسشولك في دير قضى فيه بقية حياته أما إرجينا فقد حماه الملك.