ومصر التي تدين بمذهب اليعقوبيين، على هذا الحكم، وخفقت راية السلام الدينية لحظة وجيزة في سماء الشرق والغرب جميعاً.
ولكن إذلال البابوية المتكرر على أيدي أباطرة الشرق، وما حل بيزنطية من الضعف بسبب اتساع أملاك المسلمين في آسية وأفريقية وأسبانيا، وسيطرة المسلمين على البحر المتوسط، وعجز القسطنطينية أو رافنا عن أن تحمي الولايات البابوية بإيطاليا من هجمات للمبارد، كل هذا اضطر إلى البابوية إلى أن تدير ظهرها إلى الإمبراطورية المتداعية وتطلب معونة دولة الفرنجة الآخذة في النماء والقوة. وخشن البابا استيفن الثاني (٧٥٢ - ٧٥٧) أن يستولي اللمبارد على روما فيحط ذلك من شأن البابوية ويجعلها مجرد أسقفية محلية يسيطر عليها ملوك اللمبارد، فاستغاث بالإمبراطور قسطنطين الخامس، ولكن الإمبراطور لم يغثه، فولى البابا وجهه شطر الفرنجة، وأسفرت هذه الحركة عن نتائج سياسية غاية في الخطر. فقد لي بيبين القصير نداءه، وأخضع اللمبارد، ونفح البابوية "بهبة بيبين" التي أغنتها إذ منحتها جميع إيطاليا الوسطى (٧٥٦)؛ وبفضلها قامت سلطة البابوية الزمنية. وبلغت هذه السياسة البابوية ذروتها حين وضع ليو الثالث التاج على رأس شارلمان، ولم يعد يعترف لشخص ما أنه إمبراطور على الغرب إلا إذا مسحه أحد البابوات. وهكذا أضحت أسقفية جريجوري الأول التي لا حول لها ولا طول من أعظم الدول في أوربا. ولما مات شارلمان (٨١٤)، انقلبت عطية الفرنجة للكنيسة ظهراً لبطن، فأخضع رجال الدين في فرنسا ملوكها شيئاً فشيئاً لسلطانهم، وبينما كانت إمبراطورية شارلمان تتدهور كان نفوذ البابوية وسلطانها يتزايدان.
وكان الأساقفة في بادئ الأمر أكثر الناس إفادة من ضعف الملوك الفرنسيين والألمان ومنازعاتهم ذلك أن رؤساء الأساقفة تحالفوا مع الملوك في ألمانيا، فنالوا بفضل هذا التحالف أملاكاً واسعة، وحصل الأساقفة والقساوسة على سلطات