البابوات أو يثبتوهم في مناصبهم؟ إن الكنيسة بوصفها نظاماً إلهياً خليقة بأن تكون صاحبة السلطة العالمية؛ ومن حق البابا وواجبه، بوصفه خليفة الله في أرضه، أن يخلع الملوك غير الصالحين، وأن يؤيد أو يرفض اختيار البشر للحكام أو تنصيبهم حسب مقتضيات الأحوال (٨٥). وقد تساءل جريجوري في رسالة كتبها وهو غاضب إلى هرمان Hermann أسقف متز: "منذا الذي يجهل أن الملوك والأمراء يرجعون بأصولهم إلى الذين لا يعرفون الله، ثم يتعالون ويصطنعون العنف والغدر، ويرتكبون في الحقيقة جميع أنواع الجرائم … ويطالبون بحقهم في حكم من لا يقلون عنهم-أي الشعب-جشعاً وعماية وعجرفة لا تطاق؟ "(٨٦) وقد بدا لجريجوري، من نظرته إلى ما ساد أوربا من فرقة سياسية، وفوضى، وحروب، أن لا نجاة لها من هذا البؤس الذي خيم عليها دهراً طويلاً إلا بقيام نظام عالمي تتخلى فيه هذه الدول عن بعض سيادتها التي تعض عليها بالنواجذ وتعترف بالبابا سيداً اجتماعياً لها، وبأنه هو الزعيم الأجل لجمهورية مسيحية، أوربية في القليل، إن لم تكن عالمية.
وكانت الخطوة الأولى في سبيل الوصول إلى هذه الغاية هي تحرر البابوية من السيطرة الألمانية، والخطوة الثانية هي إخضاع جميع الأساقفة للكرسي البابوي، إن لم يكن إخضاعاً تاماً، فإلى الحد الذي يتحتم معه أن يكون الذين يختارونهم هم رجال الدين وشعب الأبريشة بإشراف أسقف يرشحه البابا أو المطران، وألا يصبح الاختيار نهائياً وقانونياً إلا إذا أيده رئيس الأساقفة أو البابا نفسه (٨٧). وبدأ جريجوري عمله برسالة وجهها (١٠٧٣) إلى أسقف شالون Ch (lon أنذر فيها بأن يحرم فيليب أغسطس ملك فرنسا لأنه يبيع مناصب الأساقفة. ثم وجه في عام ١٠٧٤ الرسالة عامة إلى الأسقفيات الفرنسية يدعوها إلى التشهير بجرائم الملك في حضرته، وأن يمتنعوا عن أداء جميع الخدمات الدينية في فرنسا إذ أبى فيليب أن يصلح شأنه (٨٨). وظل غير رجال الدين رغم هذا يعينون في المناصب الدينية