للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان يستفيد فوق ما يجب من الغرامات التي تفرضها محاكم الضيعة: ولكن معظم قضاة هذه المحكمة كانوا من أرقاء الأرض أنفسهم، وإن كانت ترهبها سلطة المأمور التابع للشريف. ويتبين لنا من تهافت الأرقاء على هذه الهيئات القضائية لتعفيه من الخدمات نظير ما يقدمه من المال -يتبين لنا من تهافتهم عليها أن قراراتها لم تكن شديدة الظلم. وكان في مقدور كل رقيق يجد في نفسه الجرأة الكافية أن يجهر برأيه في محكمة الضيعة. ومن الأرقاء من كانوا يجدون في أنفسهم هذه الجرأة، وقد أعانت هذه المحاكم بأحكامها الفردية، وبغير قصد منها، على إيجاد الحريات التي قضت آخر الأمر على عهد رقيق الأرض.

وكان في وسع السيد الإقطاعي أن يمتلك أكثر من ضيعة واحدة، وكان يعين في هذه الحالة وكيلاً له يشرف على أملاكه أي على ضياعه كلها، وكان له في كل منها ناظر أو مأمور، وكان هو ينتقل من ضيعة إلى ضيعة ومعه أفراد أسرته ليستهلكوا غلاتها في مواضع إنتاجها؛ وقد يكون له قصر حصين في كل واحد منها. وكان قصر السيد الإقطاعي يرجع نشأته إلى معسكر الفيالق الرومانية المسور (Castellum، Castrum) أو إلى قصر الشريف الروماني الريفي المحصن أو إلى حصن الزعيم الألماني (burg) ، وكان يهدف إلى حماية سكانه أكثر مما يهدف إلى راحتهم. وكان أبعد وسائل الدفاع عنه من الخارج خندق عريض عميق: وكانت الأتربة الناتجة من حفره والتي تلقى في الجهة الداخلية منه تكون حاجزاً عالياً تدق فيه عُمد أربعة يرتبط بعضها ببعض ليتكون منها سور متصل. وكان جسر متحرك مثبت طرفه الداخلي يؤدي إلى باب حديدي كبير أو باب آخر شبكي قلبه، يحمي مدخلاً ضخماً في سور الحصن. وكان في داخل هذا السور اسطبلات، ومطبخ، ومخازن، وأبنية صغرى، ومخبز، ومغسل، وكنيسة صغيرة، ومساكن للخدم، مبنية كلها عادة من الخشب. وكان مستأجروا الضيعة يهرعون عادة هم وماشيتهم ومنقولاتهم إلى داخل