للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السهوب. أما في الوقت الذي نتحدث عنه فإن اضطراب شؤونها الداخلية، وشيعها الخارجة على الدين، وانفصالها عن الغرب على أثر الانشقاق الذي حدث في عام ١٠٥٤، كل هذا قد أوهنها وجعلها أضعف من أن تؤدي رسالتها التاريخية. وبينا كان البلغار، والبشناق Patznaks، والكومان Comans، والروس يدقون أبوابها في أوربا، كان الأتراك يقطعون أوصال ولاياتها الآسيوية، وكاد الجيش البيزنطي أن يقضي عليه عند ملازكرت في عام ١٠٧١، واستولى السلاجقة على حمص وإنطاكية (١٠٨٥)، وطرسوس، ونيقية ذات الماضي التاريخي الديني، وأخذوا يتطلعون من وراء مضيق البسفور إلى القسطنطينية نفسها، واستطاع الإمبراطور ألكسيوس الأول (١٠٨١ - ١١١٨) أن يحتفظ بجزء من آسيا الصغرى بعقد صلح مذل، ولكنه لم تكن لديه القدرة الحربية على صد الغارات التي توالت بعدئذ على أملاكه. ولو أن القسطنطينية سقطت وقتئذ في أيدي الترك لأمكنهم الاستيلاء على شرقي أوربا كله، ولَمَا بقي لمعركة تور (٧٣٢) أثر ما. وبعث ألكسيوس برسله إلى إربان الثاني والى مجلس بياسنزا Piacenza يستحث أوربا اللاتينية لتساعده على صد هجمات الترك؛ وكان من أقواله "إن من الحكمة أن يحارب الأتراك في أرض آسيا بدل أن ننتظرهم حتى يقتحموا بجحافلهم بلاد البلقان إلى عواصم أوربا الغربية.

وثالث الأسباب المباشرة للحروب الصليبية هو رغبة المدن الإيطالية- بيزا، وجنوي، والبندقية، وأملفي Amalfi- في توسيع ميدان سلطانها التجاري الآخذ في الازدياد. ذلك أنه لما استولى النورمان على صقلية من المسلمين (١٠٦٠ - ١٠٩١)، وانتزعت الجيوش المسيحية منهم جزءاً كبيراً من أسبانيا (١٠٨٥ وما بعدها)، أصبح البحر المتوسط الغربي حراً للتجارة المسيحية؛ وأثرت المدن الإيطالية وقويت لأنها هي الثغور التي تخرج منها غلات إيطاليا والبلاد الواقعة وراء الألب، وأخذت هذه المدن تعمل للقضاء على تفوق المسلمين في الجزء