ولما فرغ سليمان من إقامة ملكه شرع يستمتع به، وأخذت عنايته بالدين تقل على مر الأيام، كما أخذ يتردد على حريمه أكثر مما يتردد على الهيكل. ولشد ما يلومه كتاب أسفار التوراة على شهامته إذ أقام مذابح للآلهة الخارجية التي كانت تعبدها زوجاته الأجنبيات، ولا تطاوعهم أنفسهم على أن يصفحوا عنه لعدله الفلسفي- أو لعلمه السياسي- بين مختلف الآلهة. وأعجب الشعب بحكمته، ولكنه شعر بما في حُكمه من مركزية شديدة. وكان بناء الهيكل والقصر قد كلف الناس كثيراً من الذهب والدماء، ولم يكن حبهم لهما أكثر من حب عمال مصر لأهرامها. هذا إلى أن الإنفاق على الهيكل والقصر كان يتطلب فرض ضرائب باهظة، ولم نعهد قط أن حكومة من الحكومات استطاعت أن تجعل الضرائب من الواجبات المحببة إلى الشعب. فلما مات سليمان كانت موارد إسرائيل قد نضبت، ونشأت فيها طائفة من العمال الصعاليك لا يجدون عملاً دائماً يرتزقون منه، فكان ما قاسوه من العذاب هو الذي حول دين يهوه الحربي إلى دين أنبيائهم الذي لا يكاد يفترق عن الاشتراكية في كثير أو قليل.