للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعض ما تتصف به حضارتاهما وديناهما من أنبل الصفات وأظرفها. وليس معنى هذا أن كلا الرجلين كان من أولياء الله الصالحين، فقد كان في وسع صلاح الدين أن يكيل بكل ما لديه من باس الضربات المميتة لعدوه إذا بدا له أن أهدافه الحربية تتطلب هذا؛ وكذلك سمح ذو النزعة الروائية الشعرية لنفسه أن يفعل ما لا يتفق مع حياته النبيلة. من ذلك أنه لما تباطأ زعماء عكا المحاصرة في تنفيذ شروط الاتفاق المعقود بينهم، أمر رتشرد أن تضرب رؤوس ٢. ٥٠٠ من الأسرى المسلمين أمام أسوار المدينة لينبه بذلك الأهلين إلى وجوب الإسراع في تنفيذ الشروط (٣٥)؛ فلما بلغ هذا النبأ صلاح الدين، أمر بأن يعدم كل من يقع بعدئذ في الأسر أثناء المعارك مع الملك الإنجليزي. ثم بدل رتشرد نغمته، فعرض أن ينهي الحروب الصليبية بأن يزوج أخته جوان للعادل أخي صلاح الدين، ولكن الكنيسة عارضت هذه الفكرة فتخلى رتشرد عنها.

وأيقن رتشرد أن صلاح الدين لن يصبر على الهزيمة، فأعاد تنظيم قوته، وتأهب للسير ستين ميلاً نحو الجنوب بمحاذاة شاطئ البحر ليفك الحصار عن يافا التي كانت وقتئذ في أيدي المسيحيين ويحاصرها المسلمون، ورفض كثير من النبلاء أن يسيروا معه، وفضلوا أن يتخلفوا في عكا، ويحيكوا الدسائس للاستيلاء على عرش فلسطين، لأنهم كانوا واثقين من أن رتشرد سيستولي عليها. وعاد الجنود الألمان الإنجليزي ويفسدون عليه خططه الحربية؛ كذلك لم يكن العامة مستعدين لبذل جهود جديدة في سبيل فلسطين. ويقول المؤرخ الإخباري المسيحي لحملة رتشرد الصليبية إن المسيحيين المنتصرين بعد هذا الحصار الطويل:

استسلموا للخمول والترف، وأبوا أن يغادروا المدينة المليئة بأسباب النعيم- أحسن أنواع الخمور، وأجمل الزانيات. وأطلق الكثيرون منهم لشهواتهم العنان