للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأربعة وثلاثين ألف مارك، وحينئذ عرض إنريكودندو لو Enrico Dandolo الدوج الذي لا يكاد يبصر "ذو القلب العظيم"، مدفوعاً إلى ما عرضه بكل ما أمدته به من تقي وقداسة سنوه الأربع والتسعون، عرض هذا الدوج أن ينزل عن المبلغ الباقي إذا ساعد الصليبيون مدينة البندقية على فتح مدينة زارا Zara، وكانت هذه المدينة وقتئذ أهم ثغور البحر الأدرياوي بعد البندقية نفسها؛ وكانت البندقية قد استولت عليها في عام ٩٩٨، وكثيراً ما خرجت عليها وأخضعت لها، وكانت في الوقت الذي نتحدث عنه من أملاك المجر، ومنفذها الوحيد إلى البحر. وكانت ثروتها وقوتها آخذتين في النماء، ولهذا كانت البندقية تخشى منافستها لها في تجارة البحر الأدرياوي. ووصف إنوسنت الثالث هذا الاقتراح بأنه اقتراح دنئ، وأنذر كل من يشترك فيه بالحرمان، غير أن أعظم البابوات شأناً وأقواهم سلطاناً لم يستطع أن يجعل صوته أعلى من رنين الذهب، وهاجم الإسطولان زارا، واستوليا عليها بعد خمسة أيام، وقسم الفاتحون الغنائم فيما بينهم؛ ثم أرسل الصليبيون بعثة إلى البابا يرجون منه المغفرة، فغفر لهم، ولكنه طلب إليهم أن يردوا الغنيمة؛ فشكروا له غفران الخطيئة، واحتفظوا بالغنيمة؛ وتجاهل البنادقة أمر الحرمان، وخطوا الخطوة التالية لتنفيذ القسم الثاني من مشروعهم وهو الاستيلاء على القسطنطينية.

ولم تكن الإمبراطورية البيزنطية قد تعلمت شيئاً من الحملات الصليبية. ذلك أن هذه الإمبراطورية لم تقدم للصليبيين معونة تذكر، ولكنها حصلت منهم على كسب عظيم؛ فقد استردت الجزء الأكبر من آسيا الصغرى، وكانت تنظر بعين الرضا والاطمئنان إلى ما حل من الضعف بالغرب وبالإسلام في كفاحهما للاستيلاء على فلسطين. وكان الإمبراطور مانيول Manuel قد ألقى القبض على آلاف من البنادقة من القسطنطينية وألغى إلى حين ما للبندقية في تلك المدينة من امتيازات تجارية (١١٧١) (٤٦)؛ ولم يستنكف إيزاك أنجليوس Jsaac Angelus