الحساب بعد التسوية. وبهذه الطريقة أصبحت مئات العمليات المالية والتجارية تسوى من غير أن يكلف المتعاملون أنفسهم مشقة حمل مبالغ طائلة وأثقال كبيرة من النقد أو تبادلها. ولما أصبحت المراكز المصرفية بيوت مقاصة، وفر رجال المصارف على أنفسهم عناء الذهاب إلى الأسواق الموسمية، فكان في وسع التجار المقيمين في سائر أنحاء أوربا أن يسحبوا الأموال من حساباتهم في مصارف إيطاليا ثم تسوى حساباتهم بعمليات إمساك الدفاتر بين المصارف المختلفة. وبهذه الطريقة زادت فائدة النقود وزاد تداولها عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل. ولم يكن "نظام الائتمان"- الذي قام على أساس الثقة المتبادلة أقل مظاهر الثورة الاقتصادية شأناً أو أقلها دلالة على الشرف والأمانة.
كذلك كانت بداية نظام التأمين في القرن الثالث عشر، فكانت نقابات التجار تؤمن أعضاءها من حوادث الحريق، وغرق السفن، وغيرهما من الكوارث والأضرار، بل تعدت هذا النوع إلى تأمينهم من القضايا التي تقام عليهم لجرائم ارتكبوها- سواء كان هؤلاء الأعضاء مذنبين أو بريئين (٥١). وكانت أديرة كثيرة تعطى المؤمن مرتباً سنوياً طوال حياته. فإذا قدم لها الشخص مبلغاً معيناً من المال تعهدت بأن تمده بالطعام، والشراب، وبالثياب، والمسكن أحياناً، طوال حياته الباقية (٥٣). وقام أحد مصارف بروج منذ القرن الثاني عشر بالتأمين على البضائع، ويبدو أن شركة قانونية للتأمين قد أسست في هذا البلد عام ١٣١٠ (٥٤). وكان آل باردي في فلورنس يؤمنون الأقمشة التي تنقل بطريق البر من الأخطار التي تتعرض لها في الطريق.
وأصدرت مدينة البندقية أولى السندات الحكومية في عام ١١٥٧، وكان سبب إصدارها أن مطالب الحرب اضطرت هذه الجمهورية أن تطلب قروضاً إجبارية من أهلها، - وأنشئت إدارة خاصة لتسليم هذه القروض-، ثم تعطى من يقدمونها شهادات تكون بمثابة ضمان من الحكومة بسداد هذه القروض