ولكن كيف انتهت الحرب إلى قيام الدولة؟ لم يكن ذلك لأن الإنسان ميال بفطرته للحروب، فبعض الشعوب المتأخرة غاية في حب السلام، ولم يستطع الإسكيمو أن يفهموا لماذا يطارد الأوربيون بعضهم بعضا كأنهم الحيتان - مع أنهم يدينون جميعا بعقيدة مسالمة واحدة - ولماذا يسرق بعضهم أرض بعض، ولذا قالوا في تمجيد أرضهم:"ألا ما أجمل أن يكون غطاؤنا ثلجا وجليدا! ما أجمل أن يكون الذهب والفضة اللذين إن كانا كامنين في صخورنا - الذهب والفضة اللذين يتكالب عليها المسيحيون تكالبا جشعا - فإنهما يكونونان تحت غطاء كثيف من الثلج بحيث لا يستطيعون الوصول إليهما! إن عقم أرضنا عن الإثمار مؤد إلى سعادتنا ومنقذنا من اعتداء المعتدين"(٦) ومع ذلك فحياة البدائيين قد تخللتها حروب لا تنقطع؛ فالصائدون كانوا يقاتلون من أجل المصائد التي لم تزل عامرة بصيدها، كما كان الرعاة يقاتلون في سبيل المراعي الجديد من أجل قطعانهم، والزارعون يقاتلون ليستولوا على التربة العذراء؛ وكل هؤلاء وأولئك كانوا يقاتلون حينا بعد حين ليثأروا لقتل، أو لينشئوا ناشئتهم على الصلابة والنظام، أو ليجددوا الحياة الرتيبة المملولة، أو ليظفروا بغنيمة يسلبونها أو أسيرة يخطفونها، وقليلا ما حارب هؤلاء وأولئك من أجل الدين؛ نعم لقد كان بينهم أنظمة وعادات تحدد القتل، كما هي الحال بيننا - فعينوا ساعات بعينها أو أياما أو أسابيع أو أشهرا لا يجوز للهمجي الكريم النفس أن يقتل أحدا خلالها؛ وكذلك حددوا بعض القواعد لا يجوز عصيانها، وبعض الطرق لا ينبغي أن يعتدي عليها، وبعض الأسواق والمستشفيات لا ينشب فيها قتال؛ ومن هذا القبيل عملت "جمعية الإراكوا" على قيام "السلم الأعظم" مدى ثلاثمائة عام (٧)، لكن الحرب مع هذا كله كانت هي الأداة المختارة للانتخاب الطبيعي بين الأمم والجماعات البدائية.
ولم يكن للنتائج المترتبة على الحروب نهاية تقف عندها فقد كانت عاملاُ